منبر حر لكل اليمنيين

اليمن.. 10 سنوات في الجحيم ولا ضوء في آخر النفق

الجزء الأول/ تقارير

118

محمد عبده الشجاع

منذ عشرة أعوام والمواطن اليمني يتطلع إلى الخروج من أزماته عبر أي تسوية تقودها الأطراف المعنية، وقد جاء الإعلان عن “خارطة طريق” متكاملة، بمثابة طوق نجاة، غير أن هذا التطلع اصطدم بصخرة العديد من الحسابات والتعقيدات التي تتبعها الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي وحلفائها.

الحوثيون وتدعمهم جمهورية إيران، على استعداد لخوض الصراع دون توقف، غير ابهين بالأزمة الإنسانية الخانقة والوضع المتردي في عموم البلاد، والمقابر التي أخذت في الاتساع لتشكل مساحة جغرافية شاسعة ورمزية مخيفة لمشروع سياسي خطير، وصورة ذهنية كارثية للأجيال القادمة.

من جهتها حكومة الشرعية والتي تحظى بغطاء دولي يمنحها المناورة في اتخاذ القرارات والذهاب بعيدا مع الحوثي، تظل غير قادرة على التحكم بخيوط اللعبة بشكل كامل، نتيجة ارتباطها بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المتهمتان باحتلال الجنوب والتحكم بقرار المناطق المحررة ودعمها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في الوقت ذاته، وهو ما مكنها من الوقوف على قدميها طيلة السنوات الماضية حتى بعد إيقاف تصدير النفط بسبب هجمات الحوثيين.

بين ذلك كله، يعتقد كثير من المراقبين أن مليشيا الحوثي المعرقل الرئيسي لكل تلك التقاربات، وأنها تسير وفق الصراع الإيراني الأمريكي في المنطقة وهو ما يجعل مسار أي عملية سياسية غير قابل للتنفيذ حتى بعد تنفيذ ضربات عنيفة ضد حزب الله اللبناني الذراع الأبرز لإيران واخراجه من معادلة الصراع بنسبة 90% حسب بعض التقارير.

المرجعيات الثلاث ومطامع لا تتوقف

في خضم هذا السباق لم تعد هناك أي أهمية للمرجعيات الثلاث والمتمثلة في: “المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية/ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل/ قرار مجلس الأمن 2216″، فقد تم تجاوز حتى (استكهولم) 2018م بشأن محافظة الحديدة ما عكس صورة كاملة لما كانت عليها مفاوضات الفترة الماضية والتالية، باستثناء وقف جزئي للمواجهات التي تخدم مليشيا الحوثي.

طيلة هذه السنوات لم تترك المليشيا فرصة واحدة للتقارب السياسي، بل سعت جاهدة وبشهادة المنظمات الدولية والمراقبين؛ لإفشال كل الوساطات التي كانت تتم من قبل الضالعين في الملف اليمني بما فيهم أمريكا وبريطانيا، آخرها (خارطة الطريق) التي لم ترى النور منذ يناير 2024م.

لقد أظهرت مليشيا الحوثي (أنصار الله) تصلبا حادًا في كل مناحي الحياة والمشهد السياسي برمته سواء مع الأطراف الأخرى من وسطاء ومناهضين أو مع المواطن نفسه الواقع تحت سيطرتها، وهي لا تزال في هذا المسار الذي بدأته منذ وقت مبكر ولم يتضح إلا مع نهاية العام 2014 وحتى بعد هجمات التحالف ودخولها بشراكة محدودة مع المؤتمر الشعبي العام انتهت بحصار الراحل علي عبدالله صالح واغتياله.

اليوم لا تزال تمارس نفس النظرية مع كافة الأطراف دون أفق، ورغم الهدنة الحذرة في الجبهات إلا أن الرؤية لا تزال على الجنوب ونفط مأرب وغاز شبوة وحضرموت، وحتى على الجغرافيا لتعزيز حضورها من خلال القوى البشرية التي تعتبرها الفيصل في ترتيب أرواقها واكمال مشروعها الطائفي السياسي، ودعوات مواجهة القوى الكبرى من خلال (محاور المقاومة).

عملية 7 أكتوبر والقفز نحو البحر

استغلت المليشيا الحرب على غزة عقب عملية (طوفان الأقصى) 7/ أكتوبر/ 2023م وقررت الظهور بصورة البطل، نجحت في التسويق لذاتها كمشروع؛ في أذهان البعض في الداخل والخارج، وكان الطوفان ذريعة لتوسعة رقعة الصراع ونقل الأزمة اليمنية إلى ثلاجة الموتى، غير أن نتائج الحرب على غزة وسياسة إيران الأخيرة تجاه حلفائها وأذرعها، كشفت جانبا سيئًا للغاية، فتح باب الشكوك أمام مصداقية قادة (الثورة الإسلامية) والشعارات التي كان يتم رفعها في معظم البلدان وكيف انتهى الأمر بالتخلي عن أهم شريك عربي لها وهو (حزب الله).

قفز الحوثي بكل ثقله إلى البحر الأحمر تحت مسميات “وحدة الساحات” و”محور المقاومة”  وبدأ المجابهة مع القوى الكبرى حسب السيناريو الذي تم تداوله إعلاميا، راج الأمر ليصبح أشبه بالتسويق التجاري (السياسي) من جهة، ومن جهة بدأت الأموال بالتدفق على المليشيا مقابل وقف الهجمات على بعض السفن التجارية ما جعل الوسطاء محل فرجة رغم تصاعد الأزمة الإنسانية.

لم تغير الهجمات الحوثية شيء في معركة لم تكن متكافئة أصلا، بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، فقد سقط ما لا يقل عن 45 ألف شهيد وما يقارب 120 ألف جريح، وتحول البحرين الأحمر والعربي في اطار التداعيات إلى ساحة مليئة بالبارجات والفرقاطات والسفن الحربية من كل مكان.

اعتمدت المليشيا في حربها على سلاح الجيش الذي نهبته من المخازن. بالإضافة إلى تهريب منظومة صواريخ ومسيرات وأجهزة اتصالات عبر خط بحري يبدأ من (بندر عباس) وينتهي في تخوم ميدي بمحافظة حجة المحاددة للمملكة العربية السعودية، وخطوط برية عبر حدود عمان خف وهجها في الفترة الأخيرة نتيجة يقظة أمنية.

بالإضافة إلى دعم الخبراء من (حزب الله) وإيران من ضمنهم (باسل شكر) عضو هيئة (قوة الرضوان) الذي درب الحوثيين على كيفية اطلاق الصواريخ بين 2015 و 2022م وقتل بغارة إسرائيلية في 19 أكتوبر/ 2024 بالضاحية، تبعه (عادل الأشمر) الملقب ب، (الشيخ أبو مهدي)  في أواخر أكتوبر الماضي بغارة إسرائيلية وكان قد شارك في معارك اليمن، وهو مرتبطة بفيلق القدس، وتشير المعلومات إلى أنه شارك في اسقاط محافظة (عمران) أهم معاقل النظام السابق، وفي معارك إسقاط (همدان وصنعاء) حيث كان يتواجد بالقرب من قرية (عَمَد) عيال سريح، ثم تواجد في قرية “القابل” بالضواحي الشمالية للعاصمة.

وأواخر أكتوبر الماضي، أفادت وسائل إعلام دولية وناشطون حوثيون بمقتل القيادي في حزب الله اللبناني (باسل مصطفى شُكر)، بغارة إسرائيلية أيضا، ويعد أحد أبرز قادة “حزب الله”، تم تهريبه في 2015، إلى العراق ثم سوريا لتدريب قوات موالية لإيران وعمل مستشارا وقائداً لها، قبل أن يتم تهريبه في فترة لاحقة من نفس العام إلى اليمن لتدريب مليشيا الحوثي والإشراف على عدد من معارك خاضتها ضد الحكومة الشرعية.

وذكرت مصادر إعلامية أنه غادر اليمن بعد مهمة 2015، ليعود في فترة ثانية لم يتم معرفة تاريخها بالضبط غير أنه بقي فيها يقوم بتدريب الحوثيين والإشراف على عملياتهم حتى العام 2022.

وهذه العمليات كانت جزء من استراتيجية إيرن في تسليح وتدريب وتجييش مليشيا الحوثي من أجل تنفيذ أجندات واسعة تكشفت ملامحها مع مرور الأيام في الداخل اليمني أو في هجمات متوالية على دول الخليج وكذلك في البحر الأحمر والتقطع للسفن التجارية.

تعليقات