التحول الرشيد لـ د. طه الهمداني يوثق مرحلة الصراع في اليمن خلال السنوات الأخيرة 2-2
فشل كل محاولات عمليات السلام وانتهى الأمر بسقوط النظام
مؤثرات خارجية وداخلية
بدأ الجزء الثاني بـ “محدودية دور الأمم المتحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربي في إرساء التحول الرشيد في اليمن”. حاول فيه تحليل دورهما مع بقية الأطراف بما فيهم الشرعية والاخفاقات وغياب التوافق وتطبيق المخرجات وتجنيب المشهد الكثير من الويلات.
تطرق الباحث إلى أهم العوامل الداخلية والخارجية وتأثيرها والمرتكزات التي انطلق منها الجميع لإيجاد مخرج حقيقي: المشروع الديمقراطي واستجابة النظام للتغيير مطالب اصطدمت ببعض الصعوبات التي تشكل جزء من البنية الاجتماعية والصراعات التي أعقبت الوحدة اليمنية وتراكمات سلبية عديدة كان وراءها جميع الأطراف، واستمرار هذه الأخطاء بعد التوافق على رئيس جديد، حيث اختلت الرؤية بالتجاوزات قبل اقتحام الحوثيين للمشهد وتحقيق الانقلاب.
يسرد الباحث تصاعد الأحداث وخروج الحوار عن مساره حيث شكلت القضية الجنوبية وقضية صعدة جزء مهم في البحث، ليستمر المشهد بالتوتر ليس بسبب تراكم المعظلات في المشهد بل وجود دخلاء جدد، ما يعقد عملية السلام، تصدر بعض الجماعات المشهد وقيامها من وقت لآخر بأدوار من اختصاص الدولة، تنامت القاعدة وأظهر الحوثيين تمردا أوسع، لم تنفذ الكثير من الاشتراطات من مظاهر أزمة الربيع العربي، وانحراف المهام نحو هيكلة الجيش والأمن واتسعت رقعة الاختلالات، وتصاعد أعمال العنف والاغتيالات والاحتقان بين الأطراف كالسلفيين والحوثيين ووقوع سلاح الدولة بيد أطراف خارجة عن النظام.
لم يغفل الباحث العوامل الاقتصادية والاجتماعية وربطها بالأحداث والبنية السياسية ودور هذه القبائل وبعض الشخصيات سلبا وايجابا سواء عقب حرب صيف 94 أو أثناء وبعد الربيع العربي. بالإضافة إلى صراع تيارات الحداثة والتقليد والفساد وبعض المشاكل الاجتماعية والصراع الذي أخذ بعدا طائفيا ومذهبيا وتضخم الجهاز المدني والعسكري.
يذهب الباحث في المبحث الثاني من الجزء الثاني إلى العوامل الخارجية المؤثرة على التحول الرشيد رابطا الأمر بالموقع الجغرافي والصراع السعودي الإيراني في اليمن وقد أفسح عدد من الصفحات لشرح طبيعة الصراع وتفاصيل متعلقة به.
تحدث عن بنية مجلس التعاون، والخلاف الخليجي الذي وصل حد القطيعة لتبرز تحديات جديدة، ودور المبعوثين وتحديدا (جمال بن عمر) الذي لعب دوراً إيجابياً قبل أن تنحرف البوصلة نتيجة التجاوزات ودخول ضغوطات جديدة واتهامه بلعب أدوارًا سلبية لاحقا.
أيضا كان لتأثير القوى العظمى وتحكم الدول دائمة العضوية نصيب، مقابل ضعف الجمعية العمومية، وعلاقة هؤلاء جميعا بمجلس التعاون ومصالحهم في اليمن والدور الأمريكي عقب سقوط الاتحاد السوفيتي وبعد احداث 11 سبتمبر 2001م ما وجه الاهتمامات نحو الإرهاب بدلاً من الديمقراطية والحقوق مع بقاء التأكيد من كل الأطراف على وحدة وسيادة اليمن.
فشل كافة الجهود
في الفصل الثاني من الجزء الثاني وتحت عنوان فشل الانتقال السلمي وتأثيره على التحول الرشيد 2014-2019 بدأ دور كل طرف بالتخلص من الخصم تحت مبرر الشرعية ومخرجات الحوار وقضيتي صعدة والجنوب ومسألة قيام دولة أقاليم.
من الأمور الغريبة في تلك المرحلة والتي أتى عليها الباحث بصورة مختلفة، ظهور مواجهات مسلحة وتهجير في الوقت الذي كان فيه (مؤتمر الحوار) يجري تحت سقف فندق (موفنبيك) وهو ما كان يبعث رسالة خطيرة حاول الرئيس هادي ومن حوله اظهار عدم المبالاة حتى جاء (اتفاق السلم والشراكة) ولم يغير من شكل الانقلاب شيء.
اجتاح الحوثيين عمران وصلوا صنعاء تم القضاء على أكبر معسكرات الدولة في عمران ومقتل قائده الشهيد حميد القشيبي، تلا ذلك اغتيالات داخل أمانة العاصمة بعضهم ارتبط بمؤتمر الحوار مثل د. محمد عبد الملك المتوكل د. أحمد شرف الدين/عبد الكريم جدبان/ عبد الكريم الخيواني وغيرهم.
يتهم الباحث وبشكل مزدوج الاخوان (الإصلاح) والحوثيين بمحاولة الانفراد بالمشهد من خلال رؤى وشخوص جدد ومنح مشروعية أكبر لمظلمويتها وتثبيت تهمة الداعشية من قبل الحوثي على الخصوم لتحشيد المقاتلين باتجاه المحافظات اب تعز عدن وقبلها استكمال الانقلاب التام ومحاصرة منزل الرئيس هادي.
ومثلما انتهى الحوار دون تنفيذ أي من بنوده كان الأمر مع “اتفاق السلم والشراكة” واستطاع الحوثيين خداع الجميع بتواطؤ أممي وفي غفلة القيادات السياسية وكان الهدف هو الانفراد التام بالسلطة والدفع بعشرات القيادات من مختلف المكونات للهروب خارج البلد.
تم القضاء تماماً على كافة الجهود التي من شأنها صناعة تحول رشيد، من قبل مليشيا الحوثي (أنصار الله) ولاحت الحرب الأهلية لتأخذ منعطفا جديدا وسط اكتفاء الأمم بالتنديد بالأحداث والعمليات الإرهابية ودعم الرئيس هادي مقابل اعتراض من قبل الحوثي على شكل الحكومة.
هذه الأحداث تزامنت مع وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وصعود الملك سلمان، الأمر الذي غير مجرى الأحداث ومعه تغيرت حدة اللغة ضد الانقلاب الحوثي.
هذا المبحث فيه تفاصيل مهمة، من شكل الانقلاب والإعلان الدستوري وحل البرلمان وتقديم الرئيس استقالته تحت القوة وموقف مجلس النواب والتعاون الخليجي والأمم المتحدة وهروب الرئيس هادي وعدوله عن الاستقالة وإعلان عدن العاصمة.
تلا ذلك العديد من المشاورات وجلسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتعاون الخليجي وإصدار بعض القرارات بالمقابل أجرى الحوثيين مناورات عسكرية على الحدود السعودية تزامن مع انفجار هز جامعي الحشوش وبدر تبعه مهاجمة الجنوب وباقي المحافظات.
بعد ذلك جاء دور التحالف وإعلان (عاصفة الحزم) التي فتحت جرحا جديدا ومسارا قضى على آخر الآمال في إمكانية إيجاد سلام شامل أو حل عادل، وهو في الحقيقة ما سعى إليه الحوثيين بدعم ايراني أتاح لهم البطش بالخصوم والبدء بفرض واقع جديد.
في هذه المرحلة بدأ ملف الأزمة اليمنية يدخل حلقة جديدة وبدأت المشاورات والوسطاء من عمان والكويت والرياض وجنيف الأولى والثانية والثالثة وستوكهولم وتطور الوضع الإنساني لتدخل اليمن منعطف مخيف على كافة المستويات.
تمزق المؤتمر وتآكل الشرعية
أتى الباحث على فشل العملية السياسية وبدء مرحلة الإغاثة وصعوبة توزيع المساعدات والآلية التي تم بها التوزيع، كما أورد بعض الارقام المالية المرتبطة بالمساعدات والاعمار موضحا انها لم تكن بحجم الظروف مقابل الفساد، ليختم بالتأكيد على تآكل حكومة الشرعية وعدم قدرتها السيطرة على الموارد وتحكم المجلس الانتقالي بالجنوب والحوثيين بالشمال.
ومن أهم المحاور التي تطرق لها انفراط الشراكة بين المؤتمر الشعبي في العام 2017 ونزوح كثير من القيادات وبقاء آخرين تحت حكم سلطة الأمر الواقع في تحالف شكلي، ووجود اختلالات داخل منظومة التحالف العربي والتي بدأت مع قطر واتسعت بشكل أفقي لتبدأ مرحلة التحالفات ودعم كل جهة لطرف في الداخل واتساع رقعة الصراع لوجود مصالح مشتركة.
ظهور انعكاسات سلبية على مستوى الاقتصاد الوطني وتدهور العملة وظهور نزعات طائفية ومناطقية ومذهبية وتحذيرات الأمم المتحدة بوجود الملايين تحت خط الفقر.
في الخاتمة الأخيرة ذكر ببعض النقاط التي تأسس عليها المبحث إلى جانب وضع تصور للمرحلة المقبلة حيث وضع ثلاثة سيناريوهات ربما جميعها ليست كما يريد المتطلعين لعملية السلام وتحمل في طياتها مخاوف عديدة أحلاهما مر.
في السيناريو الأول: استمرار الحرب وإنتاج الحلول المؤقتة يطرح أن هذا المسار هو الراجح على اعتبار أن كافة الاتفاقيات فشلت، لكنه يربط ذلك بالتوجه الأمريكي في حال تم الضغط واوقف كافة المواجهات، هذا السيناريو جاء بناء على قراءات متعددة ومتابعة حثيثة للمجريات.
السيناريو الثاني: وقف الحرب ويمثل خيارا لمواجهة الضغوطات الدولية والرجوع للتسوية نظرا للتعقيدات الحاصلة بما فيها مواجهات البحر الأحمر والملاحة الدولية، وتنبه قيادة التحالف إلى عدم صوابية الاستمرار في الحرب لعدة عوامل بديهية، ويعزز هذا السيناريو تآكل التحالف وشرعيته والضغوطات الدولية.
السيناريو الثالث: التقسيم والتفتيت، وهو محور ينعكس من خلال انقسام الحكومات والتكتلات وبروز مشاريع متعددة واستقطابات شمالا وجنوبا من قبل السعودية/ إيران/ الامارات، واحتمالية فرض مشروع الأقاليم (الدولة الاتحادية) وسيكون له مخاطر تحول البلد إلى دويلات، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية وارتباط دور المنظمات بالقوى الكبرى، فيما سيظل الحكم الرشيد طموح مشروع وحلم الناس وكثير من القوى السياسية.
واخيرا قائمة المراجع مكونة من 17 صفحة.