لما وصلت لسن الزواج، ابي أو أمي هم اللي يختاروا لي عروستي، وهم اللي يحددوا الموعد ويتفقوا على كل التفاصيل.
لما خلفت اول طفل، ابي سماه باسم جدي، وأمي سمته باسم اخوها اللي مات قبل اسبوع، وجدتي مصرة نسميه باسم الجد الأول. وانا نسيت الاسم اللي كنت ناوي اسمي ابني به، لأني لو كسرت كلامهم بكون عاصي ومتمرد، وبيدعس على كلام الكبار.
فكرت ادخل الجامعة.. ابي تاجر ويشتيني أدرس محاسبة، وخالي الدكتور مصمم انني أدرس طب، وعمي المغترب يقول لي تعال اشتغل في السعودية احسن لك من الدراسة. وانا للآن بدون عمل.
فكرت مرة أحلق لحيتي، لكن بما أن أبي معه لحية لازم أربي لحية صغيرة، وعندنا أكبر شتيمة “يا محلوق الدقن”.
ومرة تهورت وحلقت شنبي، قامت القيامة، وقالوا اللي بدون شنب مش رجّال، الخ، الخ الكلام اللي تعرفوه. ومستحيل ياكلوا معي فوق مايدة واحدة لاني حلقت شنبي.
حتى في الصلاة، أبوك يضم أنت تضم.. يسربل أنت تسربل..
تروح مع ابوك صالون الحلاقة، ولازم تحلق نفس حلاقة ابوك، والا بيمسح بك بلاط الصالون.
تفكر بعد الزواج تخرج لوحدك وتعتمد على نفسك، وترتاح مع زوجتك في بيت مستقل، وقد الخبر منتشر في كل مكان، واحد يلومك، وواحد يقول لك: من خرج من جلده جيف.. وابوك يقول اليوم ابني يشتي يخرج لحاله، قد بيشمنا جيفة.. وامك تقول ان زوجتك فعلت لك سحر علشان تشلك من عند امك وابوك.
حتى لما يشوفوك منسجم مع زوجتك وبتحبها يقولوا انها سحرتك.. ولو بتنفذ طلباتها وتحترم كلامها يقولوا عنك إنك “مرة المرة”.
أتكلم الآن بشكل عام، مش عن نفسي فقط.
حياتنا كلها هكذا. مابش حاجة نقدر نعملها بقرار ذاتي، كل حاجة بنعملها بقرارات آخرين..
اعرف ناس مستحيل يخرج من البيت بدون ما يكون رابط راسه بشال أو صماطة، وبيكون نفسه يمشط شعره زي كل الناس، لكن أسرته فهموه ان اللي بيهتم بشعره وبالمشط والتالة والقعشة مش رجال، لأن المشط حق النسوان، وعيبقى متحمل الصماطة فوق راسه طول عمره.
هذا حالنا واحنا رجال، مش قادرين نملك قرارنا، وبنساير الوضع بكل رضا ومحبة وطاعة للأب والأم، لأني مستحيل أقول لابي وأمي لا، حتى ولو هم غلطانين، وبكل محبة.
أتمنى لو يرجع ابي، الله يرحمه، وبربي لحيتي وشنبي علشانه، والبس الشال والجنبية طول عمري، واكون اسبقه للجامع ويوصل يشوفني قدامه في الصف الأول، واخرج معه الجامع اذان الفجر حتى لو اتقطع من البرد، واول ما يوصل باب الجامع أشيل العصا والشبشب حقه واحطهم في دولاب الأحذية، واخلي العصا مركوزة في يدي كأنها عصا سليمان.
أما أمي، فهي بعد الله مباشرة، ومستحيل أعمل نفسي فاهم ومثقف قدامها، وكلامها هو الصح ويمشي كيف ما كان.
واللي حابب يتمرد ويكون حداثي، عادي، يفعل اللي يريحه، بس بعيد عن ابوه وامه، ويحتفظ بأفكاره لنفسه، مش ضروري يقول لأمه إن الإسلام سبب التخلف، ومش ضروري يكلمها عن العلمانية، لأنها بتظن ان العلمانيين كفار. ومش ضروري تقنع ابوك وامك يغيروا افكارهم لأنك قرأت كم كتاب وحاسس نفسك مثقف.. سايرهم وصاحبهم في الدنيا معروفا حتى ولو هم كفار، بدون ما تكسر لهم أي كلمة، علشان أمك ما تتحسر انها تعبت وحملتك في بطنها وربتك وكبرتك.
هذا حال الغالبية في المدن، وحال الجميع في الأرياف، فمش معقول ان احنا نحط من قدر واحدة من بناتنا كتبت رواية لأنها منقبة ونشتيها تبعد النقاب عشان نقول انها روائية ومثقفة فعلاً، واحنا مش قادرين نظهر بوجوهنا الحقيقية أمام أقرب الناس لنا، ولا قادرين نتكلم مع زوجاتنا بكل حاجة. كل واحد بيمثل انه محترم ورزين، وكل واحد بيتظاهر بغير اللي في نفسه، وكل واحد حاسس بكمية كبت مش قادر يتخلص منها.. ولأن احنا مكبوتين وملان تراكمات بنتصايح على ابسط موضوع، ونطلق علشان شوية ملح زيادة في الطبيخ، ونقتل إنسان في ساعة غضب عشان ولاعة أو عشان أجرة الباص، هذا واقعنا، وقد تمردنا على واقعنا، وغطينا على الهمجي اللي داخلنا ودفناه بالقراءة والكتابة والشعر والروايات، لكن مستحيل نتمرد على آباءنا وأمهاتنا.
قد تكون المنقبة متمردة، لكن مستحيل تنزع النقاب، لأن أمها عجوز في آخر عمرها، ومش مستعدة تجلط قلب أمها علشان يقولوا عليها منفتحة وروائية عظيمة.
هناك أشياء لابد أن نحسب حسابها، فليست ظروف الآخرين مشابهة لظروفنا، ولا طبيعة أسرتهم مثل أسرتنا..
وهذه الهدرة كلها مش لأني متمسك بالعادات والتقاليد، بالعكس، أنا أرفض غالبية التقاليد، لكني لا ألزم أحد يكون مثلي، ولا أطلب من أحد يتحرر أو ينفتح، لأن هذه الأمور مربوطة بسلسلة كبيرة اسمها ظروف الشخص وأسرته وواقعه الشخصي.