التحول الرشيد في اليمن كتاب لـ د. طه الهمداني يوثق مرحلة الصراع في اليمن خلال السنوات الأخيرة 1-2
عرض/ محمد عبده الشجاع
كتاب “المنظمات الدولية والتحول الرشيد في اليمن.. منظمة الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي العربي نموذجاً” للدكتور طه حسين الهمداني، بحث نال من خلاله درجة الدكتوراة من جمهورية تونس، الناشر (مكتبة مدبولي) القاهرة 2022م.
أتى الاهداء: محملًا بحزن الوطن وضحايا لا يتوقف سقوطهم ومناضلين يهزمهم القهر والحرمان.
سعى الباحث لتقديم بحثه بمنهجية فيها من التحليل والاستقراء ما يجعله مرجع مهم، تتبع أهم المؤثرات الفاعلة في الأزمة اليمنية، وتدوين جوهر الأحداث وتسلسلها، وربطها بكافة الفاعلين في المشهد، أنظمة ومؤسسات وشخوص ومنظمات، ومحاولة الخروج بصورة كاملة عن المجريات التي حولت اليمن إلى ساحة للتجاذبات والصراعات وتدخلات الإقليم والمجتمع الدولي.
اعتمد الكاتب في مبحثه على منهج (البناء الوظيفي) أو البنيوية الوظيفية، وهو نظرية ترى الظاهرة أو الحادثة الاجتماعية على أنها وليدة الأجزاء أو الكيانات البنيوية التي تظهر في وسطها، وإنّ لظهورها وظيفة اجتماعية لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بوظائف الظواهر المشتقة من الأجزاء الأخرى للبناء الاجتماعي، النظرية ظهرت في القرن التاسع عشر على يد العالم البريطاني هربرن سبنسر، وفي أميركا طورها كل من: تالكوت بارسونز، وروبرت ميرتون، وهانز كيرث، ورايت ميلز.
مقدمتان
تم تقسيم البحث إلى جزئين: الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي والحكم الرشيد في اليمن ودور الأمم المتحدة والمجلس أيضا، والجزء الثاني محدودية دور الجهتين نفسهما والعوامل المؤثرة في إرساء التحول الرشيد، وفشل الانتقال السلمي وتأثيره على التحول وحددهما من: (2014-2019) والأدوار التي لعبها كل طرف.
في الحقيقة الكتاب يحمل ملفات وقراءات حديثة، كما يتتبع مدخلات ومخرجات أكثر المراحل شدة وصراع وكيف لعبت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وباقي الجهات دورًا في هذا المسار بكل تجلياته، وهو مرجع مهم وجهد قيم سار على ثلاث مرتكزات من صميم المنهج المتبع: البنى/ النظام/ الوظيفة.
هناك مقدمة للدكتور/ أحمد يوسف أحمد من مصر والذي وضع ثلاث ملاحظات من واقع الدراسة شارحا وجهة نظره ومشيدا بالباحث الذي كان أحد طلابه في الجامعة في الثمانينات.
للهمداني مقدمة وهي جزء أساسي من الرسالة ومدخل من 20 صفحة، ارتكزت على محور التحول داخل الدولة اليمنية، واعتبرت ثورتي (سبتمبر – واكتوبر) وأهدافهما أحد النقاط التي عكست صورة هذا التحول من التغييرات السياسية ونظام الحكم الجديد والتحول الاقتصادي حتى الوحدة اليمنية، لتكون اللبنة الأولى في مسار مختلف بالتزامن مع صياغة الدستور الذي يحدد العلاقة بين المجتمع والدولة والمشروع الديمقراطي الذي تأسس بتلك الطريقة والنهج الذي شهدته البلاد طيلة عقدين من الزمن.
تمهيد ومفاهيم ومهام
حاول الباحث الحديث باقتضاب عن التوافق الذي حدث مع اتفاقية الوحدة والارهاصات التي اوجدتها القوى السياسية وشكلت عُقدا في طريق التغيير والتراكمات، وصولا إلى (الربيع العربي) الذي خلق احتجاجات ومطالب أرادت الوصول إلى تغييرات جذرية للأوضاع السياسية مع القطيعة التامة مع الماضي والحاضر، ما أدى لانقسام حاد، فالبعض سعى إلى ترميم الأوضاع فيما آخرين كان كل همهم إسقاط النظام قبل أن تعيد (المبادرة الخليجية) الأمور إلى نصابها وإيقاف بوادر الحرب الأهلية.
تلك الخطوات توقفت تماما نتيجة الانقلاب وسيطرة ما يسمون بـ (أنصار الله) على مقاليد الحكم وتعطيل المؤسسات، مشيرا إلى أن: “هذه الرسالة أو الأطروحة محاولة علمية لرؤية موضوعية في تتبع المسيرة اليمنية على طريق الحكم الرشيد”.
الكاتب عرّف بعض المفاهيم والمصطلحات، مثل المنظمات الدولية والإقليمية والتحول الرشيد ومفهوم التحول نفسه والتحول السياسي والديمقراطي والتحديث السياسي وعلاقتهما بالإصلاح والتغيير عموماً، كما أوضح أهمية الدراسة والمنهج المستخدم وهو (البنائي الوظيفي).
في الجزء الاول المكون من فصلين يخوض في دور منظمة الأمم المتحدة ومجلس التعاون وتعزيز التحول الرشيد، والمتغيرات التي حدثت خلال عشرين عاما 1990-2010م السلبية والإيجابية وصولاً إلى انفجار الشرق الأوسط بالاحتجاجات.
يعزز الباحث مادته بالتعريج على نشأة الأمم المتحدة وتكوينها ومهامها والجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة ثم ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بالمثل أورد الباحث دور مجلس التعاون منذ التأسيس والأطر التي يسير عليها والمهام والأهداف والتفرعات التي تنبثق منه اقتصاديا وعسكريا وأمنيا وفي مجال الاتصالات المشتركة، وعلاقته بالأمم المتحدة ووضع اليمن بين هاتين المؤسستين، قبل أن يتوسع في دراسة توجهات الحكم الرشيد وتحت هذا المبحث يحاول قراءة عشرين عامًا من المتغيرات بما في ذلك الاتفاق على (صياغة الدستور).
بنية تحتية ومؤسسات
يكرس الباحث جهوده للحديث بالتفصيل عن الأطر والمؤسسات المنبثقة من التحولات، فيما يخص الحكم المحلي ودعم المرأة والطفل واستراتيجية الأجور والمرتبات وإصلاح القضاء وتعاقب الحكومات والنشاط الحزبي وتفعيل دور المجتمع المدني وإتاحة الفرصة أمام الإعلام الحر وترتيب الوظيفة من خلال الخدمة المدنية والهيكلة الوظيفية والمساءلة القانونية والتحول إلى اللا مركزية.
ولأن هذا المبحث من صميم عمله وبحكم ارتباطه بالجمهور والمؤسسات الحكومية وقيادته اتحاد الطلاب داخل الجامعة وصولا إلى العمل في الخدمة المدنية وارتباطه بالمنظمات عن كثب، ما أتاح له الاجتهاد للخروج بمادة ومرجع مدعم بالكثير من المعلومات وبعض الأرقام.
يغوص الباحث في دور الجهات المشار إليها سلفا من 2011-2014 وهو جز مهم نظرا لحساسية المرحلة ومخرجاتها، كما تناول دور المنظمات في احتواء الأزمة والإشراف على الاتفاقيات بين القوى السياسية، وكيف بدأت بالاحتجاجات والهتافات والشعارات والتي تجاوزت إلى الصدام مع الأمن وبدأت بتشكيل ائتلافات ولجان تحضيرية أهمها ما كان تحت إشراف جماعة الإخوان بقيادة (الإصلاح).
بالمقابل تشكلت ساحة مناهضة عكست الصورة الحقيقية للأزمة والانقسام، وسط إصرار المناهضين على الريادة الثورية، بالمقابل كان لمجموعة الأزمات الدولية توضيح أن الرئيس صالح لا يزال يتمتع بشعبية جارفة خلافا لما تقوله أحزاب اللقاء المشترك وقوى الساحات.
جمعة 18 مارس وتفجير الوضع
يتوقف الباحث عند هذا التاريخ ومحاولة النظام عمل بعض الإصلاحات، معتبرا أن 18 مارس كان له تأثيراته اللاحقة، فكان واقعيا في التعاطي والتحليل واعطاء مساحة لهذه الجزئية التي كانت بمثابة قشة صنعت العديد من التحولات ومن أخطر الحيل التي سعت إليها القوى السياسية لتفجير الوضع.
لم يغفل الباحث ترك مساحة للعوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى الاحتجاجات وحصرها في مجموعة الأسباب وكيف تدهورت الأوضاع وبروز (أنصار الله) الحوثيين و(الحراك الجنوبي) وانتشار الإرهاب، والعوامل الاقتصادية وما يتعلق بمعدل النمو وتقسيم الثروة والعوامل الاجتماعية وانتشار الفساد، مستندا لبعض التقارير والارقام وبعض المعالجات.
يعرج على انتفاضة تونس ومصر ثم اليمن ودور الإعلام في تأجيج المشهد والتدخلات الخارجية التي ظهرت جلية من قبل (النظام الإيراني) والتدخل الخليجي، وموضوع التوريث ومطالب المحتجين، وإسقاط النظام والرئيس وهيكلة الجيش، كما يتحدث عن مطالب سعت لها القوى الثورية وهي مشروعة لكنه مبالغ بها ولم تكن لتتناسب مع الواقع والبنية الاجتماعية، وتتنافى مع مسألة الحكم الرشيد وتضر بشكل مباشر في بنية الدولة، منها إسقاط المؤسسات وهيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية كواحدة من المدخلات التي أدت إلى الانفصام عن الواقع وتصاعد الأحداث.
على سبيل المثال مطالب فيها إجماع، تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص ومكافحة الفساد والشفافية وإصلاح بعض القطاعات ومحاكمة الفاسدين ومنح مزيد من الحقوق وما يتعلق بالموارد وجوانب أخرى. أيضا كانت هناك شعارات لا تخدم أي عملية إصلاحية، إسقاط النظام دون وجود أي برنامج سياسي أو رؤى حقيقية وبديلة، شخصنة المطالب والدعوة لتغيير المسار الديمقراطي، تغيير شكل المؤسسات والذي قد يؤدي إلى تعطيلها والدخول في فوضى، عدم الجدية في الحوار والارتباط بقوى خارجية.
انزلاق الاحتجاجات إلى العنف بكل أشكاله، والذي أتخذ مسارات مختلفة والاعلام المحرض، اغلاق الجامعات والمدارس، العبث بالوظيفة ومواجهة رجال الأمن والجيش، الاضرار ببعض المصالح، التهديد بالزحف، العنف داخل الساحات على الشباب من الجنسين، تفجير دار الرئاسة.
المبادرة الخليجية مؤتمر الحوار
يرصد الباحث في هذا الجانب تعامل الأمم المتحدة والتحذير من الاعتداء على المتظاهرين وإدانة التجاوزات لدى جميع الأطراف، ثم الحوارات وقرار مجلس الأمن رقم 2014 في جلسته رقم 6634 في 21 اكتوبر 2011م والذي نص على وقف تجنيد الأطفال ودعم المرأة وتدفق المساعدات ومواجهة ظاهرة الإرهاب، وهذا القرار كان بمثابة الضوء وتمهيد (للمبادرة الخليجية).
بحسب الباحث فإن مجلس التعاون تباينت مواقفه وهي في كلا الحالتين كانت سلبية أبدى قلقه لا أكثر، لكنه سرعان ما أنتقل موقفه من القلق إلى المبادرة خاصة بعد جمعة 18 مارس (جمعة الكرامة).
استطاع الباحث احتواء أهم الفاعلين في الصراع وكيف بدأت الأزمة وتشظت إلى أن صارت مسرحا للفوضى والارتجال وانعدام الرؤى لدى الأطراف بما فيهم اللقاء المشترك والشباب.
يذكر الباحث أن المبادرة الخليجية أخذت أربعة مراحل، كانت محل خلاف في الثلاث الأولى وتم التوافق في الرابعة، وكانت النقطة الخلافية عملية نقل السلطة بشكل ديمقراطي وعدم ملاحقة الرئيس صالح قانونيا وتم ذلك بالتنازل عن السلطة للنائب والدعوة لانتخابات خلال ستين يوما..! ولم يدرك أحد أن الحوثيين يتربصون لإسقاط البلد.
يستغرق الباحث في شرح وتحليل الخطوات التي أعقبت المبادرة ومرحلة اختيار نائب الرئيس للقيام بالمهام حتى يتم انتخابه، على أن تكون المدة سنتين، الاتفاق على شكل الحكومة وتهيئة الأجواء لحوار شامل سمي بـ (الحوار الوطني) والذي كانت نقاشاته واسعة شملت كل الرؤى والأفكار وإصلاح الاختلالات بما يتوافق مع المرحلة اقتصاديا امنيا وعسكريا واجتماعيا.
يتوسع الباحث من خلال الحديث عن الإصلاحات السياسية ونقطة التحول: الحوار الوطني والمراقبين وربطه بالإصلاح الدستوري الذي كان محل اهتمام واحد مخرجات الحوار، تبعه بملخص حول المحاور السابقة من الجزء الاول من الرسالة والذي جاء في 200 صفحة من أصل 380 صفحة مجمل الكتاب.
يتبع 2-2