منبر حر لكل اليمنيين

هل نحن ذاهبون بالتدريج في الطريق إلى فقدان الهوية اللغوية؟

أحمد السلامي

51

هناك قراء عرب لا يقرأون إلا الكتب المترجمة، وبعضهم تتأثر لغته وكتابته بأسلوب الترجمات، وعندما يكتب تشعر أنك أمام جملة منقولة من لغة أخرى وخالية من السياق العربي الذي يتميز به بناء الجملة العربية.

وهناك موجة ترجمات أدبية مزدهرة هذه الأيام إلى حد ما لروايات وكتابات متنوعة، ولا بأس من حيث المبدأ بما تشهده كثير من دور النشر في هذا الاتجاه على صعيد الكم والكيف والعناوين، ولكن لا أدري لماذا لا أعتبر هذا الحراك دليل عافية كاملة أو علامة على نهوض مؤصل وناتج عن تراكم وعي واحتياج معرفي متعطش لهضم ثقافات الآخرين وعلومهم.
أرى في هذه المسألة الجيدة من حيث الشكل والغامضة من حيث كونها موجة مفاجئة، مجرد تراكم خبرة بالتسويق ومسايرة من باب العرض والطلب، من باب الاتجاه لمجاراة قارئ بات يفضل مشاهدة مسلسل أجنبي ويقرأ رواية مترجمة وينتظر الجزء الثاني من الفيلم الفلاني ويترقب الموسم السادس عشر من مسلسل شاهد أولى حلقاته وهو في الثانوية العامة، ويعشعش في وجدانه ذلك المجرم الذكي الذي يتعاطف معه مثل غيره من المشاهدين ويبرر له ما يرتكب من فضائع وتحايلات (تذكروا مسلسل بابلو اسكوبار كمثال، تلته أمثلة ونماذج أخطر).

هذا الاحتشاد والتواطؤ المرعب على تسويق كل ما هو غير عربي إما أن يرتفع بالمنتج الأدبي والفني العربي إلى مستوى مختلف من النضج الذي يحترم وعي المتلقي، وإما أن نخسر المتلقي الذي لن يهتم في المستقبل لا بالمسلسل ولا بالفيلم ولا بالكتاب العربي.

تأملوا بعض دور النشر في معارض الكتاب وما الذي تتباهى به من إصدارات، ستجدون طاولة الإصدارات الجديدة أمام الناشر في معظمها ترجمات. هل ازدهرنا إلى هذا الحد حتى باتت الترجمة شغلنا الشاغل لنفهم كيف يفكر الآخر ويبدع ويعيش ويخلد التفاصيل والأحداث والوشوشات؟ إذا كان الأمر على هذا النحو، فأين الترجمات في حقول أخرى لا تقل أهمية عن الأدب، كالعلوم الطبيعية والإنسانية والفنون وكتب الفكر والفلسفات الحديثة والنقد الثقافي وغيرها من الأطروحات التي تستحق النقل إلى الثقافة العربية للاطلاع عليها ومتابعتها من قبل المختصين والمهتمين؟

ويبقى سؤال الترجمة وحصيلة المكتبة العربية منها بحاجة للتناول من قبل مختصين يعملون في هذا المجال ويعرفون محركاته والديناميكيات التي تحدد مسار الإنتاج فيه.
مجرد خاطرة من وحي تأمل الشغف الذي نشترك فيه جميعا ونحن نطالع أغلفة الكتب الجديدة وكيف أصبحنا نبحث عن اسم المؤلف الأجنبي!

تعليقات