منبر حر لكل اليمنيين

ما أسباب التوتر الكندي الهندي؟

ترجمات/

47

بلغ التوتر الكندي الهندي مستوىً غير مسبوق في الآونة الأخيرة بعد أن اتهمت الشرطة الكندية دبلوماسيين هنود بتنفيذ أنشطة “إجرامية” في كندا، بما في ذلك القتل والابتزاز والترهيب والإكراه.

ورداً على ذلك، طردت كندا ستة دبلوماسيين هنود، من بينهم المفوض السامي الهندي لدى كندا، والذي ادعت أنه تورط في أنشطة شملت تهديد الآخرين. وردت الهند بطرد ستة دبلوماسيين كنديين كبار.

وقد غذت التصريحات الكندية مزاعم النشطاء والمسؤولين الغربيين بأن الحكومة الهندية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، نفذت حملة قمع عابرة للحدود الوطنية، وخاصة في كندا والولايات المتحدة، استهدفت منتقدي الدولة.

نرصد في هذا التقرير أسباب الخلاف الكندي الهندي، وكيف يمكن أن يؤثر على طموحات رئيس الوزراء الهندي بتحويل بلاده إلى قوة عالمية عظمى.

كيف بدأ الخلاف الدبلوماسي؟

كانت الهند وكندا تتمتعان بعلاقات وثيقة نسبيًا حتى العام الماضي، عندما قُتل الناشط، هارديب سينغ نيجار، الذي ولد في الهند ولكنه أصبح مواطناً كندياً، بالرصاص خارج معبد للسيخ في مدينة سوراي بمقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا.

وقد دافع نيجار عن إقامة دولة سيخية مستقلة، تُعرف باسم خالستان، وتشمل أجزاء من ولاية البنجاب الهندية، بحسب ما نشرت تقارير غربية.

وينتمي نيجار، الذي كان مطلوبًا من قبل السلطات الهندية، إلى حركة محظورة في الهند، ومعظم مؤيديها هم من بين المغتربين البنجابيين في الخارج. وتم تصنيفه على أنه “إرهابي” في يوليو/تموز 2020 بتهمة ارتكاب أعمال عنف مرتبطة بالخالستانيين.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اتخذ ترودو خطوة غير عادية عندما أعلن أن هناك معلومات “موثوقة” تربط عملاء الحكومة الهندية بقتل نيجار. ورفضت الهند بشدة هذه المزاعم ووصفتها بأنها “سخيفة”، واتهمت كندا بإيواء الإرهابيين و”العناصر المعادية للهند” الذين يشكلون تهديدًا للدولة الهندية.

وبعد ذلك طردت الهند دبلوماسيًا كنديًا كبيرًا، وأمرت كندا بإبعاد 41 دبلوماسيًا من سفارتها في نيودلهي. كما علقت جميع طلبات الحصول على التأشيرات للكنديين.

وفي وقت سابق من هذا العام، ألقت الشرطة الكندية القبض على ثلاثة مواطنين هنود متهمين بالانتماء إلى فرقة الاغتيال التي قتلت نيجار، وقالت إنها “تجري تحقيقات لمعرفة ما إذا كانت هناك أي علاقات مع حكومة الهند”. فيما رفضت الهند هذه الاتهامات.

من هم الانفصاليون السيخ؟

السيخية هي خامس أكبر ديانة منظمة في العالم، حيث يبلغ عدد أتباعها حوالي 26 مليون شخص حول العالم، منهم حوالي 23 مليون يعيشون في البنجاب. ويشكل السيخ أقل من 2% من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.

وفي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، اكتسبت الحركة المطالبة بدولة مستقلة زخماً بين السيخ في البنجاب وفي الشتات السيخي في مختلف أنحاء العالم. وفي نهاية المطاف ألهمت الحركة تمردًا مسلحًا دام أكثر من عقد من الزمان. وردت الهند بالقوة، بما في ذلك استخدام التعذيب والاحتجاز غير القانوني والقتل خارج نطاق القضاء لقمع الحركة.

وفي عام 1984، أمرت رئيسة وزراء الهند آنذاك، أنديرا غاندي، القوات باقتحام المعبد الذهبي، أقدس مزار للسيخ، في أمريتسار، لاعتقال المتمردين المختبئين هناك.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، اغتيلت غاندي على يد اثنين من حراسها الشخصيين من السيخ. وأدى ذلك إلى اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق ضد السيخ في شمال الهند. وقُتل الآلاف من السيخ.

من هم المستهدفون الآخرون؟

لا يعد نيجار الناشط الخالستاني الوحيد الذي يعيش في الخارج، والذي يُعتقد أنه كان مستهدفاً من قبل الحكومة الهندية.

وقال ناشطون سيخ ومسؤولون غربيون إن الأدلة تشير بشكل متزايد إلى أن حكومة مودي تنفذ حملة من القمع العابر للحدود الوطنية، وذلك عندما تتخذ الحكومات الأجنبية إجراءات خارج حدودها لتخويف أو إسكات أو مضايقة أو إيذاء أعضاء مجتمعاتها في الشتات والمنفى.

ولا تقتصر حملة الاضطهاد التي تنتهجها حكومة مودي على السيخ فحسب، بل تمتد أيضاً لتشمل  المسلمين  الذين يشكلون حوالي 14% من السكان. وشملت حملات الاضطهاد التمييز العنصري وحرق المنازل وهدم الممتلكات.

وقد تفاقم اضطهاد المسلمين في الهند مع صعود القومية الهندوسية والتطرف في السنوات الأخيرة مع تبني حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أجندة قومية أدت إلى تهميش المسلمين والأقليات الأخرى.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال  محققون أمريكيون  إنهم أحبطوا محاولة من جانب مسؤول حكومي هندي لقتل جورباتوانت سينغ بانون، وهو انفصالي سيخي متحمس ومواطن مزدوج الجنسية أمريكي وكندي.

وقال ناشطون سيخ خالستانيون بارزون آخرون في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة أنهم تلقوا تحذيرات من وجود تهديدات لحياتهم.

وبحسب مسؤولين استخباراتيين تحدثوا إلى صحيفة  الغارديان  البريطانية هذا العام، فإن الهند أمرت أيضاً باغتيال العشرات من الأفراد في باكستان، بما في ذلك السيخ، كجزء من استراتيجية أوسع للقضاء على الإرهابيين الذين يعيشون على الأراضي الأجنبية.
ماذا يحدث الآن؟

انهارت العلاقات الثنائية بين الهند وكندا بشكل كامل ولا تظهر أي مؤشرات على تحسنها في أي وقت قريب.

وقالت كندا إن تحقيقاتها في مقتل نيجار والحملة الأوسع المزعومة للعنف من جانب الهند مستمرة، وأنها تتعاون مع تحالف “العيون الخمس”، وهو تحالف لتبادل المعلومات الاستخباراتية يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.

وتصر الهند على أنها لم ترَ بعد أدلة كافية تدعم مزاعم كندا ضد الدبلوماسيين الهنود، وستتعرض كندا لضغوط متزايدة للكشف علناً عن ما تزعم أنها كشفته وتقديم اتهامات رسمية.

وقالت الولايات المتحدة إنها تأخذ مزاعم تورط الهند في محاولات قتل على الأراضي الأمريكية “بأقصى قدر من الجدية”. وقبل يومين، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن لجنة تحقيق هندية تم تشكيلها للتحقيق في المؤامرة ستسافر إلى واشنطن يوم الثلاثاء كجزء من تحقيقاتها.

وأشار وزير الخارجية الكندي يوم الاثنين إلى أن الهند تتعاون مع المسؤولين الأمريكيين، لكنه قال إنها رفضت التعاون في التحقيق الكندي.

كيف يؤثر الخلاف الكندي الهندي على الشأن العالمي؟

قد يكون لهذا الخلاف تداعيات جيوسياسية كبيرة. فالهند تُعَد قوة عظمى متنامية، وأصبحت حليفاً أمنياً واقتصادياً مهماً للدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. ولكن هذه العلاقات قد تتعقد إذا تزايدت الأدلة على تورط حكومة مودي في القمع العابر للحدود الوطنية.

كما أن كندا عضو في حلف شمال الأطلسي ومجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين الأكثر ثراءً، فضلاً عن كونها واحدة من مجموعة الدول الخمس التي تتقاسم المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك الولايات المتحدة. وهي حاضرة في جميع القرارات الجيوسياسية العالمية الكبرى كقوة متوسطة تقليدية.

ورغم أن السلطات الأمريكية ساعدت كندا في جهودها للقضاء على ما وصفته بشبكة إجرامية يديرها الهنود وتعمل على أراضيها، فقد كانت إدارة بايدن حذرة بشأن مخاوفها الخاصة تجاه مودي، الذي تلقى ترحيباً حاراً في البيت الأبيض العام الماضي.

ومع ذلك، سوف تتعرض الحكومات الغربية لمزيد من الضغوط بعدما تطورت الخلافات بين كندا والهند لاتخاذ موقف ضد القمع العابر للحدود الوطنية.

ويقول الخبراء إن المواجهة ستجعل من الصعب على كندا والهند المضي قدماً في شراكة كانت واعدة في السابق، وقد تؤثر على طموحات الهند في محاولتها تصوير نفسها كقوة عالمية صاعدة، والتقرب من الولايات المتحدة التي تراقب بقلق مثل الهند تزايد قوة الصين.

وقال برافين دونثي، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، إن “العلاقات الثنائية بين الهند وكندا، التي تشهد تدهوراً منذ العام الماضي، ستتلقى ضربة أخرى، الأمر الذي سيستغرق وقتاً طويلاً لإصلاحه”.

وقال دونثي إن الخلاف المتزايد بين الهند وكندا سوف يؤثر أيضاً على “التفاهم الاستراتيجي المتنامي بين الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية” التي تتودد إلى نيودلهي كقوة موازنة لبكين.

تعليقات