السلامي في “أجواء مباحة”.. مشروع يعكس رغبة التنوع في الابداع وتوثيق الواقع
محمد عبده الشجاع
يعد الكاتب والشاعر أحمد السلامي صاحب تجربة مهمة في الكتابة عمومًا، إلى جانب ارتباطه بالمشهد الثقافي والأدبي والسياسي في أهم مراحله خلال الثلاثة عقود الماضية، وقد خاض السلامي التجربة من خلال الكتابة الابداعية محاولا التمرد على كافة القيود الأدبية متجاوزا القوالب الشعرية من خلال مشروع نثري ونقدي بدأهما بـ “حياة بلا باب”– 2002 شعر، “ارتباك الغريب”– 2004 شعر، “دون أن ينتبه لذلك أحد”– 2006 شعر، “قدِّيس خارج اللوحة”- دار مواعيد 2023 شعر وهو عمل رائع وتجربة عميقة، كذلك “كل الجهات عدن”- 2023 شعر.
كما كانت له تجربة نقدية قدمها من خلال مؤَّلَفه “الكتابة الجديدة.. هوامش على المشهد الإبداعي التسعيني في اليمن” 2003، وقد ولدت تلك الأعمال عموما داخل المشهد الأدبي بكل هدوء لتحدث تحولا وتثير جدلا كمشروع حداثي يؤمن بالاختلاف ويسعى لتأسيس مشهد سردي جديد تعززه تجارب مدهشة ومدارس متعددة وعملاقة، حيث كان لا بد من صراع بين مسميات ومصطلحات تدور حول القصيدة عموما وأشكالها وماهيتها، فكرتها أيضا لغتها ومضمونها وعلاقتها بالمتلقي القارئ والناقد معًا.
يحسب للشاعر أحمد هذا التصاعد الشعري الذي لم ينتهي عند “قديس خارج اللوحة” ولا “كل الجهات عدن”، بل تجاوز ذلك إلى خوض تجارب في فنون أخرى، يستحضر العناوين بعناية كي تصل الرسالة وتكون الفكرة على مقربة من المشهد برمته، تلامس المعنيين بالحياة اليومية بكل تعقيداتها ومنعطفاتها الواقعة بين العتمة والاشراق، تحاكي الثنائيات التعيسة والباعثة للأمل أيضا وتغوص في ثميات لصيقة بالواقع.
لم نقرأ بعد الإصدار الجديد للشاعر والكاتب أحمد السلامي، وهو روايته الأولى “أجواء مُباحة” الناشر (دار الآداب) بيروت، لكن ما يثير الشجن هو اصرار أحمد على خوض أكثر من تجربة: الشعر – النقد – الرواية، وهي رؤى متكاملة لطالما امتلك المبدع الأدوات واستحضر الأفكار التي تعكس تجربة قارئ جيد ومتابع للمشهد بشكل عميق، اضافة إلى العمل الصحفي وكتابة المواد الثقافية التي تشكل فارقا كبيرا لدى الكاتب والقارئ على مستوى الوعي والاستمرار في الابداع كجانب مادي يعين على البقاء.
يأتي هذا العمل وسط حشد واسع من الصراعات السياسية التي طغت على كل شيء، حيث تراجعت كثير من التجارب الثقافية والفكرية لصالح السياسية ونتيجة للثورة الرقمية التي استهلكت كمية كبيرة من المداد والأفكار والابداع، حيث استسلم الكثير لإيقاع الحياة السريعة بكل تفاصيلها مع وجود محاولات عديدة لبناء مشاريع فكرية ثابتة بعيدا عن ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل “أجواء مُباحة” ستكون ذات بعد فكري جديد على الأقل للكاتب نفسه الذي استطاع الانتقال من السرد الشعري إلا الرواية لينضم إلى كوكبة يمنية وعربية آمنت بالكتابة الروائية وانتزعت لنفسها بقعة في الساحة، فجمعت بين الشعر والسرد القصصي والروائي والكتابة الثقافية والنقدية.
أحمد بهذه الرواية سيشكل اضافة رائعة للمشهد الأدبي وسيدون فصلا من التاريخ الهام على طريقته، فالرواية مما كتب في غلافها ومن عنوانها ستكون شاهد على واقع عايشناه لحظة بلحظة لكن في قالب قصصي، وسيكون العمل ضمن مجموعة من الأعمال التي رصدت المشهد منذ ما بعد العام 2011 حتى اللحظة وهي تجارب مهمة وإن بدا بعضها متواضعًا في سياقاته وسردياته وحتى في الحبكة.
أخيرًا يمكن التأكيد على نقطتين أولا: أن الكاتب السلامي واحد من المبدعين الذين يحملون هم انساني كبير تجاه القضايا العربية واليمنية، وله نشاط مميز في وسائل التواصل الاجتماعي وكتابات منطقية وطرح عقلاني ولغة وسطية ورؤى فيها مقاربات جيدة تشكل مفاتيح لقضايا جدلية متنوعة.
ثانيا: يمكن الجزم بأن أجمل الكتابات هي تلك الأعمال السردية التي وثقت مشاهد الصراعات خارج التدوين التاريخي بصورة أدبية بحتة، حيث استطاع أصحاب تلك التجارب وبعبقرية متناهية الجمع بين السردية الأدبية الروائية والتاريخية، وهو ما يعكس صورة ابداعية مهمة وتجربة لا يمكن أن تموت.