منبر حر لكل اليمنيين

غروندبرغ يبعث رسالتين مهمتين ويعترف بأن حل الأزمة اليمنية ممكن

متابعات/

50

أقر المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في إحاطته لمجلس الأمن، الثلاثاء، بأن حل الأزمة اليمنية ممكن للغاية، وما ربطه بأزمة الشرق الأوسط إلا نتاج رغبة أممية وقبلها أمريكية في توظيف هذا الملف دولياً، بغية أهداف تتحفظ عليها واشنطن وإن باتت واضحة، حتى إن تخادمها ومليشيا الحوثي بات واضحاً، وإن غلفته بظواهر صوتية.

أكد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن آمال إحراز تقدم في الملف اليمني باتت بعيدة المنال، مرجعاً السبب إلى “التصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط” الذي يرى أنه يزيد الوضع تفاقماً “ويهدد بالخروج عن نطاق السيطرة”.

جاء هذا التصريح المخيّب لآمال ملايين اليمنيين، في إحاطة تقدم بها اليوم الثلاثاء غروندبرغ، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقال المبعوث الأممي، إن “التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، والذي نشهده منذ عام، يستمر في التفاقم ويهدد بالخروج عن نطاق السيطرة”.

وأضاف: “الآمال في إحراز تقدم بعيدة المنال. ومن المؤسف أن اليمن جزء من هذا التصعيد، ويواجه خطر الانزلاق بشكل أعمق”.

وقال المبعوث الأممي غروندبرغ “منذ إحاطتي الأخيرة لهذا المجلس، واصلت مليشيا الحوثي هجماتها على الملاحة الدولية، ومحاولات متعددة لاستهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة”.

وأضاف: “إن تكرار هذه الهجمات، بما في ذلك الضربات الأخيرة على ناقلات النفط، زاد بشكل كبير من خطر وقوع كارثة بيئية – وهي كارثة تم تجنبها بصعوبة بعد الهجوم على الناقلة MV سونيون. هذه الهجمات على الملاحة المدنية غير مقبولة على الإطلاق ويجب أن تتوقف فوراً”، مشدداً على أن “البحر الأحمر هو ممر مائي دولي، ويجب أن يبقى ممراً آمناً يستفيد منه الجميع”.

وأشار إلى أن واشنطن ردت على الهجمات الحوثية بغارات جوية على أربع محافظات يمنية، كما نفذت إسرائيل غارات جوية على الحديدة، موضحاً أن “التقارير التي تتحدث عن وقوع ضحايا في الحديدة وتضرر البنية التحتية الأساسية المدينة تثير قلقاً بالغاً”.

هذه الإقرارات الأممية تدين التماهي الأممي تجاه الجرائم الحوثية، وتفاقم معاناة اليمنيين اقتصادياً وسياسياً وتعليمياً وثقافياً… فبدلا من الدعوة لدعم الحكومة المعترف بها دوليا لحسم الحرب ضد مليشيا الحوثي واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء، تكتفي الأمم المتحدة بالمراوغة وتنفيذ واشنطن وإسرائيل ضربات مباشرة على المنشآت الخدمية، بينها محطات توليد الطاقة وخزانات النفط في موانئ الحديدة ورأس عيسى وغيره.

ويقول المبعوث الأممي، إن “هذا التصعيد المتبادل يجر اليمن بشكل أعمق نحو الصراع الإقليمي”، بدلاً من إيقاف الضغوط على الحكومة الحكومة اليمنية ودعمها والسماح لها بتحرير بقية المناطق المختطفة لدى الحوثيين.

تخاذل حكومي

ويبدو، حسب مراقبين، أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يستفيدان من التخاذل الحكومي، ما يجسّد رغبتهما المشتركة في إطالة أمد الحرب التي تحولت إلى تجارة رابحة لجميعهم، غير مكترثين لما وصل إليه الشعب اليمني من حالة فقر مروع، بلغ حد امتهان موظفين مهنة التسول بحثا عن ما يسد رمق أطفالهم، وإن تظهروا في تصريحاتهم بالتعاطف الزائف، حد تعبيرهم.

ويؤكد المراقبون لوكالة “خبر”، أن ربط الملف اليمني بأزمة الشرق الأوسط في مقدمتها (قضية غزة الفلسطينية) يرجع إلى الرغبة الأممية، والتي تنبثق من الرغبة الدولية والأمريكية بشكل مباشر، في ديمومة الحرب في اليمن ليس لسنوات وانما لعقود، سيما وملف القضية الفلسطينية شائك منذ عقود، في الوقت الذي يتطلع اليمنيون إلى السلام، وهي التطلعات التي أقر بها غروندبرغ في هذه الإحاطة.

وتستفيد واشنطن بشكل مباشر من استمرار الضربات الحوثية التي يشرف عليها خبراء في الحرس الثوري الإيراني، على السفن التجارية في البحرين الأحمر والعربي، في نشر بوارجها وفرقاطاتها العسكرية في عرض البحر لحماية إسرائيل بدرجة أساسية.

ملاحقة جنائية

في ذات الإحاطة، دعا غروندبرغ، مليشيا الحوثي (المصنّفة على قائمة الإرهاب)، إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً، بمن فيهم 17 من موظفي الأمم المتحدة – منهم أربع نساء وأحد أعضاء فريقي- وإنهاء حملة الاعتقالات.

ولفت إلى أن هذه الاعتقالات الحوثية، “المصحوبة باتهامات مبهمة وكاذبة وغياب تام لأي إجراءات قانونية عادلة، تهدف إلى تشويه السمعة وخلق بيئة من الخوف وانعدام الثقة”.

وأشار إلى أن “الإحالة الأخيرة لبعض المعتقلين إلى ما يسمى “الملاحقة الجنائية” تمثل ضربة إضافية لجهودهم الجماعية لبناء السلام والاستقرار في اليمن”، لافتاً إلى أنه أوضح للحوثيين “مراراً أن مثل هذه الإجراءات لا تعكس عن نية في التفاوض لتحقيق السلام”.

وتطرق إلى أنه منذ إحاطته الأخيرة للمجلس، أجرى مناقشات بناءة مع الأطراف المعنية المحلية والدولية خلال زياراته إلى نيويورك وطهران وموسكو، وطلب الدعم للإفراج عن المحتجزين. وهو الأمر الذي بات في الحقيقة يشغل غروندبرغ والأمم المتحدة أكثر من غيره.

رسالتان أساسيتان

وأفاد غروندبرغ بأن لقاءاته تركزت على إيصال رسالتين أساسيتين، أولاً، أن الحل السلمي للنزاع في اليمن ليس فقط الخيار الأكثر واقعية للمضي قدماً، بل الأهم من ذلك، أنه قابل للتحقيق. ثانياً، يحتاج الشعب اليمني إلى دعم دولي مستمر وموحد.

وقال إن هذه ليست مجرد تطلعات، بقدر ما لديهم في الأمم المتحدة المقومات والأدوات اللازمة لتمهيد الطريق لذلك، مستعرضاً إياها في ثلاث نقاط.

أولها التزامات “تعهدت بها الأطراف تجاه وضع خارطة طريق تتضمن وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد، وتلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية، والتحضير لعملية سياسية شاملة”، مشيراً إلى أنه “على الرغم من التصعيد، تظل هذه الالتزامات أساساً جوهرياً لبناء السلام في اليمن”.

فيما ركزت النقطة الثانية “على الصعيد العسكري” الذي قال إنه يشهد “هدوءاً نسبياً على خطوط المواجهة، وعلى الرغم من بعض التصعيدات العرضية التي تذكرنا بهشاشة الوضع”.

أما النقطة الثالثة، فقد ركزت على الجانب الاقتصادي، والتي قال “قمنا بتحديد خيارات على المستوى التقني ونعمل على حث الأطراف بأن التعاون في المسائل الاقتصادية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والاستدامة الاقتصادية”.

يأتي ذلك في الوقت الذي سجلت العملة المحلية انهياراً حاداً هو الأعلى منذ اندلاع الحرب في البلاد عقب انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014.

ويتساءل خبراء اقتصاديون، عن الآلية التي تعاطى معها المبعوث الأممي فيما يخص الملف الاقتصادي، في الوقت الذي تواصل الأمم المتحدة مراوغتها في نقل مقار منظماتها الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن، والضغط على مليشيا الحوثي بتوحيد التعامل النقدي في عموم المناطق بدلا من رفض الأخيرة التعامل بالطبغة الجديدة من الورقة النقدية اليمنية.

ليس هذا فحسب، بل أكد غروندبرغ، في احاطته هذه “أن الأدوات اللازمة متاحة”، مضيفاً: “أدعو الأطراف إلى إظهار الإرادة اللازمة ووضع احتياجات اليمنيين في مقدمة الأولويات”. لكنه في نفس الوقت يقول إن حل الملف اليمني مرتبط بازمة الشرق الأوسط، في الوقت الذي أخذت الأخيرة تتسع لتمتد إلى مدينة رفح الفلسطينية، ثم إلى لبنان بعد أن كانت محصورة في قطاع غزة. فضلاً عن توسع رقعتها في عرض البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي.

ووفقاً للمراقبين، ذهب المبعوث الأممي إلى جانب آخر في إحاطته، بقدر ما له من أهمية إلا أنه هروب من واقع أكثر أهمية، وهو الضغط على أطراف الصراع بتخفيض حدته ووضع أول لبنات التسوية.

وذكر غروندبرغ، أنه تزامناً مع الذكرى السنوية لاعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، يجب الاعتراف بشجاعة المرأة اليمنية وتقديره، مشدداً “واليوم بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نعزز أصواتهن”، داعياً “جميع الأطراف إلى تمكين النساء لتشكيل القرارات التي ستمهد الطريق نحو سلام دائم في اليمن”.

وقال إن مكتبه بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، عقد مشاورات مركزة مع ما يزيد عن 400 من النساء والرجال اليمنيين، هدفت إلى تعزيز الرؤية لعملية سلام شاملة في اليمن، بتحقيق مشاركتهن الفعالة في المفاوضات، يرى أن من شأنها “إرساء الأسس لسلام أكثر شمولاً واستدامة”.

واختتم إحاطاته بحاجة اليمن الماسة إلى توحيد الهدف في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، مُقرّاً ومؤكداً “أنه رغم النزاع الإقليمي الواسع، لا يزال تحقيق السلام في اليمن ممكناً، ويجب علينا أن نظل متمسكين بتحقيق هذه الغاية”.

وبهذه الخاتمة، يؤكد المهتمون بالملف اليمني، أن رغبة الحل غائبة، وحال وجدت يمكن لها أن تخرج البلاد إلى بر الأمان في أقل الخسائر الممكنة، وتجنيب الشعب اليمني مزيداً من المعاناة المعيشية والأمنية.

تعليقات