منبر حر لكل اليمنيين

أبو الروتي.. على بريطانيا أن تحمل عصاها وترحل

عبدالكريم الرازحي

55

في عصر ذات يوم من عام 1964وانا في صف رابع ابتدائي رايت الناس يقفون في باب احد المحلات في سوق الطويل وحين اقتربت منهم لأعرف سبب وقوفهم بباب المحل وتزاحمهم تناهى الى مسامعي صوت جمال عبد الناصر وهو يخطب من مدينة تعز وسمعته يقول بأن على بريطانيا ان تحمل عصاها وترحل ويومها رايت الناس في غاية الفرح يبشرون بعضهم البعض قائلين :
– “جمال عبد الناصر في تعز.. جمال عبد الناصر خطب في تعز وقال لبريطانيا تشل عصاها وترحل ”
وكنت أنا افكر في عصا بريطانيا واقلِّبها في راسي وخيل لي بأن بريطانيا معها عصا مثل عصا السيد محمد تلك التي ضرب بها بن حيدرة وسلخ بها جلده وجعله يتبول فوق نفسه. كان ذلك هو مافهمته يومها وفي الأيام التالية حين رايت المظاهرات تخرج للشوارع وتطالب برحيل الاستعمار عرفت بأن بريطانيا هذه دولة احتلال وان الشعب يريدها ان تخرج من عدن وكنت افرح بالمظاهرات واخرج مع المتظاهرين واهتف بخروج الاستعمار:
– برع برع يااستعمار
وذات يوم وانا في بيت كافيتا سمعت امها تقول بأنها وابنتها في حال خروج البريطانيين من عدن سوف يغادرن عدن الى الهند
وكان كلام الام هذا قد أثار استغرابي فقد ولدت هي وبنتها في عدن وتتكلمان اللهجة العدنية وكنت احسبهما عدنيتين وحتى بعد ان عرفت انهما من كشمير الهند لم أجد مبررا للمغادرة ورحت اتساءل بيني ونفسي عن سبب رغبة امها في الرحيل وهل السبب هو الخوف من ان تتعرض هي وبنتها للأذى بعد خروج الإنجليز وفي مغرب ذات يوم وكافيتا تذاكر لي انجليزي تناهى الى مسامعنا صوت اطلاق نار وخرجت اجري الى سوق الطويل ورايت الناس يتحلقون حول شخص ملقى في الشارع وكان من اصل هندي اغتاله الثوار بتهمة انه عميل للإنجليز وحين عدت واخبرت ام كافيتا بمارايته شحب وجهها واختفى منه ذلك الألق ونفس الشيئ رايت وجه كافيتا قد شحب هو الآخر واكتسى بالفزع
وفي مساء نفس اليوم طلبت مني الأم أن امر عند ذهابي للمدرسة على كافيتا وأرافقها الى مدرستها “البادري “وشعرت من كلامها بأنها خائفة على بنتها ومع ان كلامها أشعرني بالقلق إلا انني فرحت بهذه المهمة التي طالما تمنيتها وكانت امها قد طلبت مني ذلك اعتقادا منها بأن ابنتها سوف تشعر بالأمان وانا بجانبها فيما الحقيقة هي أنني من شعر بالأمان ذلك لأن الشياطين الخمسة الذين بطحوني في الشارع وضربوني كانوا مازالوا يتحرشون بي وكنت على يقين من انهم سيعاودون ضربي عند اقرب فرصة سانحة ويومها وقد أبصروني أمشي بصحبة فتاة جميلة شعروا بالغيرة والغضب وحتى يهينونني امام كافيتا راحوا يتحرشون بي وينادونني :
– يابو الروتي
وكنت أنا أغتلي من الداخل وأكتم زعلي واخاف لورددت عليهم ان يهجموا علي ويضربوني أمامها كما حدث في المرة الاولى وفي اول يوم اذهب فيه للمعهد العلمي الإسلامي
وعندما سمعتهم كافيتا ينادوني : يابو الروتي قالت لي :
– ليش تزعل لمايقولوا لك أبو الروتي ؟
قلت لها وانا اكتم زعلي بأنني لأأزعل
وسألتني عن السبب الذي جعلني أتعارك معهم في المرة السابقة ؟!
وكان جوابي على سؤالها هو ان العراك حدث لأن كبيرهم خطف حقيبتي وهرب ورفض أن يعيدها لي وليس لأنه قال لي : يابوالروتي ”
وبعد أن عرفت السبب قالت لهم بأنها سوف تذهب لتشكوهم لمدير مدرستهم إن هم تعرضوا لي ثانية
وفي اليوم التالي والأيام التي تلتها توقف الشياطين الخمسة عن التحرش بي ولم يعودوا ينادونني :
– يابو الروتي
ثم انهم وبسبب حظر التجول وشدة زحام الزبائن على الروتي ولخوفهم من ان يبدأ حظر التجول قبل ان يحصلوا على الروتي راحوا يتملقوني لحاجتهم للروتي وصاروا ينادونني باسمي عبدالكريم واما كافيتا فكانت خجولة وتستحي ان تناديني ولولم انتبه لوجودها لظلت واقفة تنتظر دورها وربما يكمل الروتي قبل ان تتكلم
وحدث اكثر من مرة ان أتت الى الفرن والزحام على أشد مايكون وكنت أشيرلها ان تعود الى بيتها وبعد ان يبدأ وقت حظر التجول وتغلق ابواب الفرن اكسر الحظر واذهب الى بيتها ومعي الروتي وذات مرة تأخرت في الذهاب لاسباب لم اعد أذكرها وظنت ام كافيتا بأنني نسيت اوانني خفت من المجيئ وراحت تلوم بنتها وتقول لها بأنه ماكان يجب عليها ان تعود للبيت من دون الروتي وفيما كانت الام قد فقدت الأمل بحضوري كانت كافيتا تؤكد لها بأنني سوف احضر وبمجرد ان طرقت الباب نزلت كافيتا السلم تجري لتفتح لي الباب وفرحت امها بمجيئي وعزمتني على عشاء وكانت تلك اول مرة تعزمني فيها على عشاء وبعد العشاء مباشرة تناهى الى اسماعنا اصوت انفجارات واصوات اطلاق نار وحين نهضت للخروج اعترضت امها على خروجي وقالت بأن من الأفضل ان أبيت عندهن بدلا من اخرج واعرض نفسي للخطر وطلبت من ابنتها كافيتا ان تذاكر لي الانجليزي لكنني ليلتها لم اتحمس للمذاكرة وانما كنت متحمسا للكلام مع كافيتا وكان بي رغبة ان اكلمها عن مشاعري نحوها وان اقترب منها والامسها وبعد ان خرجت امها راحت كافيتا تسألني عن كلمات انجليزية كانت قد كتبتها لي لاحفظها ولأنني لم أكن قد حفظتها قلت لها :
– كيف اقول احبك بالانجليزي
ولحظتها نظرت الي كافيتا نظرات فيها الكثير من اللوم والعتاب وقالت لي بأن هذه الكلمات غير مؤدبة فضلا عن انها ليست موجودة في المقرر ولن يمتحنوني بها وانه من الافضل ان احفظ الكلمات الموجودة بالكتاب والتي سوف ترد في الامتحان
وعندئذٍ لذتُ بالصمت وحين رأتني صامتا صمتا يشي بزعلي وحزني
قالت لي: love معناها حب
واحبك معناها : I love you
وليلتها بدت لي هذه الجملة اعظم واهم جملة في اللغة الانجليزية وحتى لاتعيدني للدرس قلت لها :
-اقول لك بسر
قالت : ايش من سر
قلت لها : دخلت السينما
وبمجرد ان قلت لها بأنني دخلت السينما اتسعت حدقتا عينيها من الدهشة وقالت لي :
– من صدق دخلت السينما !!
قلت : دخلت سينما هريكن وشفت فيلم :-” صراع في الوادي ”
ورحت احكي لها قصة الفيلم وهي تصغي بتركيز شديد وشعرت وانا أحكي لها بتفوقي عليها وبأنها وهي المتفوقة علي بالدراسة وباللغة الإنجليزية تجهل لغة السينما وكانت تلك اول مرة اتحدث فيها عن السينما وعن الفيلم الذي شاهدته مع فتاة وعندما حدثتها عن الحب بين امل – فاتن حمامة – واحمد – عمر الشريف انطفأ حماسها لتعليمي اللغة الإنجليزية وتحمست لسماع قصة الحب ورحت اواصل سرد أحداث القصة وعندما وصلت الى الحديث عن القُبلة نهضت كافيتا من مكانها وخرجت تسير على رؤوس أصابعها لترى ماإذا كانت امها قدنامت ام لا ؟
وعند عودتها قالت لي بصوت خفيض :
– من باس الثاني ؟
قلت لها : امل باست أحمد
وبدت كافيتا مستغربة ومذهولة وغير مصدقة وقالت بان الرجل هو الذي يقبل المرأة وليس العكس لكني اقسمت لها بأن الذي حدث في الفيلم هو العكس .
وسألتني عما اذا كنتُ قد قبّلتُ فتاة اوان فتاة قبلتني وكان سؤالها هذا قد أثارذاكرتي وذكرني بالبنت شمس في وادي الشويفة ورحت احدثها عن” شمس الوادي ” وقلت لها :
-” علمتها القراءة والكتابة وهي علمتنا البوس ”
قالت بصوت لايكاد يسمع : بوستك !!
قلت : علمتنا البوس
وبعد ان قلت لها ذلك أشارت الي أن أخفض صوتي ومالبثت ان نهضت للمرة الثانية وخرجت تمشي على رؤوس أصابعها وبعد عودتها قالت لي وهي زعلانة بأنها علمتني اللغة الانجليزية وعلمتني كيف اقول : احبك بالانجليزي فيما انا لم أعلمها شيئا من الأشياء التي تعلمتها في السينما وعندئذ ارتبكت وقلت لها وقد تملكني شعور بالذنب :
-موتشينا اعلمك ؟
قالت : علمني البوس
وفي اللحظة التي هممت بتقبيلها وتعليمها البوس تناهى الى اسماعنا صوت انفجار وقامت امها من النوم ودخلت علينا وهي مرعوبة وسألتني عن الإنفجار واين حدث؟!
قلت : بالميدان عندمقهاية زكُّو
قلتها هكذا من راسي ومن دون علم
ولحظتها طلبت من بنتها كافيتا ان تذهب الى غرفتها وتنام لكن كافيتا قالت لأمها بأنها لن تنام الابعد ان تنتهي من تعليمي الدرس وبعد ان احفظ الكلمات الجديدة التي كتبتها لي و تتأكد من أنني حفظتها مع الإسبيلينج لكن امها قالت لها وهي تشير الي بأنني استيقظ باكرا للعمل وعليها ان تتركني انام وعندئذٍ نهضت كافيتا وذهبت الى غرفتها لتنام
وليلتها لاهي علمتني انجليزي ولا انا علمتها البوس .

تعليقات