منبر حر لكل اليمنيين

الرحالة أمين الريحاني

محمد العلائي

70

عرفنا أمين الريحاني، الرحالة والصحافي والمؤرخ، من خلال كتابه الفريد من نوعه “ملوك العرب”.
ما يجهله أكثرنا هو الريحاني الكاتب الفنان بأسلوبه الجميل والممتع في جده وهزله، على صعيد المقالة والرواية والمسرح والشعر والنقد،
والريحاني المفكر العربي المستنير الذي وقر في قلبه إيمان لا يهتز بحتمية نهوض الأمم وتقدمها على منوال نهضة وتقدم الغرب.
لا يهمني ما يقوله المشككون المرتابون حول نواياه وعلاقاته وروابطه الخفية وما شابه ذلك.
أنظر إليه جُملةً، في مجموع نتاجه المدون، وأقبل من أقواله وأردّ، كغيره من المؤرخين والكتّاب والفلاسفة والمفكرين.
هكذا أقرأ، وهكذا أحكم على الأشياء.

سأنشر هنا مقطع من محاضرة قديمة بعنوان “روح الثورة”، ألقاها الريحاني في لبنان، ونُشرت في مجلة الهلال، عدد يونيو 1913م:

“من فضائل أجدادنا أرباب النبابيت (جمع نبّوت) ما يُعدُّ اليوم رذيلة.
ومن وحوش الماضي الهائلة لم يبق غير هياكل في متاحف العلم والتاريخ.
ومن مواعين الأسلاف أصحاب الأناقة ما لا يصلح اليوم لبيت الفلاح. ومن أديان الأقدمين الالهية والحيوانية لم يبق غير المتهدم من أنصابها والطامس من رموزها ورسومها.
إن آلهة الانسان مثل مواعينه لا تصلح مدى الدهر. نشعل النار يوماً امامها ويوماً تحتها ويوماً فيها. نقدم المحرقات اليوم ونحرق المعبودات غداً. الثابت في الحياة ثابت الى حين وأما الانقلاب فثابت إلى الأبد.
أجل إن يداً سرية علوية تعمل أبداً في الأمور وفي الأشياء فتحولها وتغيرها وتبدل منها. التطور سنة الحياة في الجزئيات منها والكليات.
في العلوم وفي الأديان في السياسة وفي الأمم في الطبيعة وفي الناس. خذ شيئاً واحداً من اشياء الاقدمين وقابله بما نشأ منه وقام اليوم مقامه فتكاد تجهل الأصل وتدهشك درجات التحسين فيه والارتقاء.
وقفت مرة في أحد المتاحف الأوربية أمام معرض من السلاح، فرأيت أدوات الحرب والقتال كلها مصفوفة بحسب تاريخها ورقيها.
أولها النبُّوت الذي قطع من الغاب لقتل وحوشها وآخرها البارودة الحديثة التي يطلق بها عشرين مرة في الدقيقة. لمخترعيها الانسان لقتل الانسان فقلت في نفسي: وفي المستقبل تمسي البارودة هذه مثل نبُّوت الأولين أثراً من الآثار بيتها المتحف وبارودها الصدأ”.

يونيو 2023م

تعليقات