سبتمبر.. مع صديق والدي…!!
د. عبدالوهاب الروحاني
في مكان يفيض سحرا وجمالا، يقع على ربوة غناء في إحدى ضواحي صنعاء، كنا في ضيافة أحد الفضلاء من اصدقاء والدي (رحمهما الله).. الضيوف مشدوهون بسحر المكان، وروعة اللحظة..
وكنت انا مشغولا بحديث شيق مع ابي وصديقه..
الاحاديث تتداخل في بعضها، شيء من الحاضر، وهروب مغرق في التاريخ.. وتمجيد في زمن مضى، ملأ الارض جورا، وظلما، وجوعا.. ثم قدحُ غير مبرر في سبتمبر 62، وهل كان ثورة أم انقلابا، وكيف كنا ثم كيف اصبحنا..!!
قال:
أيام زمان يا ولد عبدالوهاب كنا في بحبوحة من العيش والحياة الرغدة.. كنا نأكل البيض والدجاج البلدي، والسمن والعسل البلدي، والخضرة الخالية من السموم، ولحم الغنم والبقر البلدي، وكنا نخزن القات النظيف ايضا ..كانت الحياة مختلفة، بسيطة وآمنة، والرعوي يتزيرع، وكل واحد في مجاله يدي واجبه..
بهذه الكلمات اللطيفة والمشوقة استهل الرجل حديثه معي، وما ان انهى مخاطبتي حتى التفت الى والدي، ولعله اراد ان يؤيد مقاله ليستشهد به، فقال له: والا ما رأيكم أخي العزي ؟!
ادرك والدي المغزى فقال، الرد على لسان الولد عبدالوهاب..
قلت:
بلادنا كانت ولا تزال جميلة، تحتفظ بذات السحر وذات البساطة والجمال، وهي ارض غنية ومنتجة،
والجديد ان الناس اليوم في ظل الجمهورية جميعهم يتشاركون الحكم والعيش البسيط والآمن.. وايضا يأكلون البيض، واللحم، والدجاج، والعسل، ليس فقط في الاعياد والمناسبات،
وانما (ربما) في كل الايام..
بينما في الماضي .. اعني قبل الثورة:
• كان الزارعي يتزيرع وينتج وكنتم وقلة قليلة من الناس تأكلون البيض، والدجاج .
• كنتم وحدكم تأكلون اللحم الغنمي والبقري، والعسل البلدي دون عامة الناس.
• كنتم من قلة تاكلون الفاكهة والخضرة، وتخزنون وتأمرون فتطاعون.
اليوم، لم يتغير عليكم من امركم شيئا، فانتم تنعمون برغد العيش والحياة التي الفتموها، والجديد -كما قلت- هي مشاركة الناس ذات المستوى، وان بشيء من التفاوت، ولا ارى ان في ذلك ضيرا طالما انكم لا تزالون كما كنتم..
• ثلاثة من اولادك مسئولين كبار، منهم الوزير، والطبيب، ورئيس المؤسسة
• اخوتك قادة عسكريين وامنيين كبار
• تعيشون في بيوت حديثة اشبه بالقصور، ولا تزالون تحتفظون بضياعكم وبيوتكم في قمم الجبال وبطون الاودية وهذا حقكم.
تلك برأيي هي سنة الله “ان الله يامر بالعدل والاحسان”، وقال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فتلك هي عدالة السماء، التي تحققت بسبتمر الثور 62م.
فجر ومفردات:
لن اطيل السرد في تفاصيل النقاش، الذي ربما لم يكن مقنعا لعالمنا الجليل (صديق والدي، رحمهما الله)، لكنه حديث الابوة، وكان مفيدا.. ذلك لاننا عندما نتحدث عن ثورة سبتمبر تتبادر الى الاذهان مفردات لا يمكن لاحد ان ينكرها.. حرية، عدالة، مساواة، تعليم، انفتاح، حياة وتعايش بلا جوع ولا امراض فتاكة.. رغبة في التطور والنمو، وتطلع لحياة امنة ومستقرة – وان في حدود متواضعة لكنها من صنع سبتمبر..
ومع هذا، لا ضير ان تكون لكل قناعاته، ولاضير ان يحتفل هذا بالمناسبة ولا يحتفل ذاك.. حكومة “القطط الثمان” تقر بعدم جواز اقامة احتفالات بسبتمبر 62 في عدن، وتقر ايضا بعدم جواز رفع العلم الجمهوري فيما يسمونها ب”المناطق المحررة” باستثناء مارب وتعز ..(اقرأوا الوثيقة).
ثم، لا ضير ايضا ان يصف البعض سبتمبر 62 انقلابا، او ثورة او انتفاضة، وان يصفوا اكتوبر 63 “هدية المستعمر قبل الرحيل”، ولا ضير ان يسمهما كل بما يشاء، لكنهما بالنسبة لكل اليمنيين ميلاد امة وفجر مشرق صبي، وهما بالنسبة لي ولجيلي وللاجيال اليمنية اللاحقة من الاولاد والاحفاد واحفاد الاحفاد في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه ستظلان نقطة ضوء..
سبتمبر واكتوبر (63/62) ثورتان تذكراني برجال شجعان شرفاء صنعوا مجدا، وبهما يتجدد فينا الامل، وتكبر فينا التطلعات، ويشهد الله ان سبتمبر واكتوبر فينا مجدا وعزة وكرامة.. حروفا نقرأها حرية نستنشق هواءها وطنا يتسع للجميع، ووحدة تصوننا من التشظي والانقسام ..
كل عام واليمنيون جمهوريون يؤمنون بالنظام والقانون.. يقبلون ببعضهم، ويؤمنون بسلام يحقق لهم حرية وعدالة ومساواة.. سلام يتشاركون به الحياة الامنة والعيش البسيط.
د. عبدالوهاب الروحاني