نوستالجيا ..الحلقة الأولى
لثلاثة عقود مضت داومنا على التغني بدولة الجنوب وتاريخ الجنوب وثروات الجنوب وبالنظام والقانون في الجنوب، وبالفن والثقافة والتعليم والرياضة …الخ .
وكنا في نهاية ذلك كله نندب حظنا في الوحدة ونلعن سلسفيل الشمال، وناس الشمال وتاريخ الشمال وفن الشمال وجبال الشمال، وكل ما يمت للشمال بصلة.
لن أتحدث عن كيف تشكلت تلك الصورة الذهنية لدى جيل الثمانيات وما يليه، دون أن يعيشوا مرحلة النماء والازدهار المزعوم، لأن كل ما كان يحكى عبارة عن محازي الأجداد والجدات، مع ضرورة الإشارة إلى أن كل ما يمكن أن نسميه تطورا في الجنوب كان إرث الاحتلال البريطاني، ولم يضاف إليه شيئا من قبل الوارث(الحزب الاشتراكي اليمني)
لكن على افتراض أن الجنوب كان سويسرا الشرق، وبأن النضال كان من أجله استعادته، حدثونا ماذا استعدنا خلال التسع السنوات الماضية، ماذا انجزنا أكثر من الشعارات وخطابات الشحن المناطقي، واستجرار الأحقاد والضغائن والتفرقة؟
حدثونا عن سلبيات النظام السابق، وما تم تصحيحه حتى الآن، افتحوا الملفات الشائكة، كالملف الأمني، والاقتصادي، وملف الأراضي، وملف الحقوق والحريات، وقارنوا بين وضع كل ذلك إبان النظام السابق، وبين ما نعيشه اليوم؟
هاتوا لنا منجزا واحدا فقط نعزف عليه معكم، ونتغنى به، اخبرونا إن كان قد شهد واحد منكم في ظل النظام السابق ما نعيشه اليوم من فوضى أمنية يتورط فيها رجال الأمن بأعمال قتل واختطافات، اخبرونا أن كان قد شهد واحد منكم الفقر المدقع، والغناء الفاحش، تلك الأبراج التي ارتفعت، والبنوك والشركات والفنادق والمطاعم التي ازدهرت في زمن المجاعة، لمن هي ومن يملكها من الباطن، اخبرونا عن البسط على الأراضي، ونهب الممتلكات الخاصة في وضح النهار، اخبرونا عن القمع والسجون السرية والاغتيالات والحقوق والحريات، وقد بات كل واحد من أفراد المجتمع في مرمى المداهمات تحت حجج وذرائع مختلفة، اخبرونا عن أعداد المخفيين قسريا خارج النظام والقانون سابقا، وكم أعدادهم اليوم؟
اخبرونا عن التعليم والصحة والخدمات، عن النظافة والتحسين، والحركة الثقافية والفنية، اخبرونا عن الإعلام ورواده، وقادة الفكر والتنوير، ابرزوا لنا نماذج لكي نؤمن بكم، ويستمر كفرنا بالنظام السابق الذي لم يصل بالناس إلى الوضع المعاش، وضع تتفشى فيه المجاعة، والفوضى، ويأكل فيه القوي الضعيف، وتنحل في دهاليزه القيم والمبادئ، وضع يسوده النفاق والتملق، والكذب والتضليل والتطبيل.
ولا تنسوا أن تخبرونا عن أمر الكرامة وقد غدونا مجرد اتباع، نُتهم برخص البيع لأرضنا ومقدراتنا وللكرامة نفسها، أجيبوا علينا وحررونا من “نوستالجيا” تدفعنا دفعا نحو الماضي غير المقارن ببشاعة ما نعيشه.