تعثر بنك اليمن الدولي وتداعيات الإفلاس
عندما يتهادى إلى أسماعنا خبر إفلاس بنك اليمن الدولي، فذلك يعني دق ناقوس الخطر في عقولنا، لأن ذلك يرتبط بضياع الأموال وخسارتها إلى الأبد، فكيف إذا كان هذا الإفلاس أتى من سلطة قمعية لا تفقه شيء سوى تكديس الأموال في البدرومات وجر البلاد لنفس المصير الذي قادته ميليشيا حزب الله في لبنان وإفلاس الدولة اللبنانية وتحويلها لدولة فاشلة تفتقد لأدنى متطلبات الحياة، لا شيء يمكن تخيله أمام ما تقوم به عصابة عبدالملك الحوثي بحق مقدرات الوطن، وفي وقت لا تلوح فيه أي حلول على المدى المنظور، بات الحديث المتعلق بالإفلاس على لسان الناس في اليمن وكأنه أصبح أمراً واقعاً يجب التعايش مع تبعاته.
بلا شك بأن أمر الإفلاس لا يتعلق بأوضاع المواطنين العاديين فحسب، بل يتعلق أيضاً برأس مال رجال الأعمال والمستثمرين الذين فقدوا أموالهم ومصالحهم حين تم إسقاط العاصمة صنعاء، وكذلك يتعلق الأمر بدور عصابة الحوثي التي تدير مناطق سيطرتها، وكذا دور المصرف المركزي وبنك اليمن الدولي، وهذا ما دفع الأخير لإصدار بيان طمأن فيه الشارع اليمني، نافياً في نفس الوقت خبر الإفلاس الذي وصفه بالشائعات، معلناً أن لديه أصول وسيوله تكفي لسنوات وليس لأشهر، في إشارة إلى أن الوضع ليس بذلك السوء، رغم أن الأمر لا يحتاج لطمأنة خاصة وأننا نعيش واقع الإفلاس والفقر والمجاعة ونهب الرواتب وتزايد الجبايات والسطو على الممتلكات الخاصة والعامة.
وبالرغم من أن الأزمات الاقتصادية لم تفارق اليمن منذُ فوضى ٢٠١١م وسيطرة وإسقاط ميليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء، إلا أن الظلال التي تلقي بها الأزمة الحالية، لم يسبق أن خيمت بهذه التداعيات على السكان، لاسيما مع عجز حكومة ميليشيا الحوثي على تأمين موارد المحروقات من جهة، فيما تعجز عن كبح مسار الانهيار الذي تعيشه عملة البلاد من جهة أخرى، وهو الأمر الذي تسعى من خلاله ميليشيا الحوثي لجعل البلاد تغرق في مستنقع الانهيار الكامل وسحق كل مقومات الدولة.
وبعد أن بات غالبية اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب والفوضى والاقتتال الذي أنهك الاقتصاد اليمني ومقدراته، عدا عن تداعيات العقوبات الدولية المفروضة على البلد، تتضاءل تدريجياً قدرة ميليشيا الحوثي على توفير الاحتياجات الرئيسية على وقع تدهور العملة المحلية، مما يجعل هذه الازمة تُعزز المخاوف حول استمرارية البنوك في تقديم خدماتها المصرفية الأساسية للمودعين والمساهمين.
ويبدو لي بأن إخفاقات سياسة ميليشيا الحوثي دفعت ببنك اليمن الدولي إلى اتخاذ خطوات غير عادلة لتمكين المودعين من الوصول إلى أموالهم، وكشفت هذه الإخفاقات فعلياً عن فجوات في النظام الرقابي والتنظيمي التي تشرف عليه عصابة الحوثي، ووفق لمصادر مصرفية فإن كثيراً من البنوك التجارية أصبحت شبه مفلسة، بعد أن قام الحوثيون بمصادرة الدين الداخلي وعائدات أذون الخزانة التي كانت البنوك تستثمر فيها أموال المودعين، وزاد من الأزمة المالية قيام ميليشيا الحوثي بإصدار قانون يجرم التعامل بالأرباح تحت ذريعة مكافحة الربا، ومصادرة وتصفير أرباح كل الودائع التي ساهمت بشكل كبير في هذه الأزمة الخانقة التي يعيشها أغلب البنوك التجارية في اليمن.
هذه الممارسات التي تقوم بها ميليشيا الحوثي عبر إدارة البنك المركزي في صنعاء بحق البنوك التجارية، ساهمت في تراجع الثقة في النظام المصرفي لدى التجار اليمنيين ورجال الأعمال، وهو ما أدى إلى تدفقات مالية ضخمة من شبكات الأموال الرسمية إلى شبكات غير رسمية يديرها قيادات نافذة داخل ميليشيا الحوثي ويتم استثمارها داخل اليمن وخارجه.
بلا شك بأن البنوك اليمنية ظلت هدفاً رئيسياً لميليشيا الحوثي منذُ سيطرتها على العاصمة صنعاء، حيث تسعى الميليشيا لإنشاء كيان مالي بديل، وهو أمر لم يعد خافياً على أحد، من خلال قيامها بالدفع بمنشآت الصرافة التابعة لها إلى التحول إلى بنوك للتمويل والاستحواذ على النشاط المالي، التي كانت تشغله البنوك والمصارف الأساسية، وما يحدث اليوم من تقويض مستمر للقطاع البنكي في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، لن يخرج عن سياق التضييق الشامل الذي يتعرض له القطاع الخاص بشكل ممنهج، وهو الأمر الذي جعل ميليشيا الحوثي تتمادى في سياساتها التدميرية أمام عجز الشرعية والمجتمع الدولي عن التصرف بجدية لوقف هذا العبث الذي سيقودنا للهاوية.