أسْرارُ الغُراب وضَحايَا (نايف القانص)
ليس عيبًا ولا هي هزيمة عندما يعترف الإنسان بأخطائه ويكاشف الناس واقعا وحالا كان عليه في مرحلة أو وقت من الأوقات، حتى وإن حدث ذلك متأخرًا جدًا، لكن يظل أمرا محمودا وشجاع، وتبقى شهاد للتأريخ والأجيال تحمل الصدق ومحاولة التبرؤ أو التخلص من وعثاء سفر كانت له نتائج مؤلمة على المستوى العام والخاص والمجتمع ككل.
جمال الغراب شخص كان يعمل في الحقل الصحفي خلال العشرين عاما الماضية، خاض مغامرة “الربيع العربي” الغير محسوبة، وكان على ما يبدو ضمن تيار (طهران) المحسوب على الاشتراكي والبعث وبعض القوميين، وهو التيار الأخطر على الأقل لم يكن مكشوفا أو ظاهر كما هو الحال مع تيار الدوحة الواضح من خلال القنوات والشخوص، وكذلك تيار الدعم الدولي من واقع المنظمات والناشطين وكان هؤلاء يلتقون في نقاط كثيرة عكس تيار إيران ربما كان يسير لوحده وقد نجح في ابتلاع البلاد بالطريقة التي خدع فيه الجميع وخرجوا مهزومين وهم يشاهدون الوطن كله في حضن الكهنوت.
جمال ودع البلاد بعد 2015م مع اشتداد الانقلاب والمعارك الضارية إلى (القاهرة) وأوروبا ثم عاد مجددا إلى افريقيا وفيها استقر في (اثيوبيا) لثلاث سنوات تقريبا قبل أن يشد الرحال إلى (كندا) أرض أحلام الجميع وكان الأمر بمثابة انتصار أو الوصول إلى الجنة حسب كتاباته، ولرحلته تفاصيل كثيرة.
الأهم هنا هو خروجه قبل يومين بمعلومات واعترافات خطيرة كونها جاءت من شخص ارتبط بالربيع العربي وبتيار طهران بشكل أو بآخر وهو اعتراف متأخر جدا لكنه يكشف مجددا حجم الأوجاع والأفخاخ التي وقعنا فيها والضحايا الذين يتساقطون يوميا نتيجة هذا الفكر الضال والمعتقد الرخيص الذي يمثله نايف القانص والذي يعكس صورة قبيحة عما يعتمل في المشهد السياسي للسلطة الحالية.
جمال اعترف ببعض المعلومات ومنها أن نايف القانص كان وراء اعتقال العديد من الصحفيين والناشطين وهذا عيب كبير بشخص كان يعتقد أنه سوي، من هؤلاء الضحايا (أنور الركن) كلنا يتذكر كيف خرج الركن من معتقله “هيكل عظمي مات بعدها بأيام” وهن يتحمل (جمال الغراب) جزء كبير من المسؤولية لأنه صمت كل هذه السنين وقد توفي الرجل وذهب إلى ربه وهناك تجتمع الخصوم، وهذا لا يليق به كإنسان أولا وكصحفي ثانيا يعارض الظلم عموما ولا يمكن يقبله على غيره.
كذلك تم التبليغ عن (حمدي الشرجبي) من قبل القانص نفسه والمسألة حسب الغراب كلها خصومات وخلافات حول أموال السفارات التي كانت تصلهم. يقول الغراب ولا أدري هل غادر المعتقل حتى اللحظة أم لم يغادر يصد الشرجبي، وهذه كارثة أيضا، ويضيف الغراب أنه لا يحمل شيء للقانص وهو أحد قيادات البعث العربي ويتصدر المشهد على أنه وطني وعروبي ويمني، ثم يضيف أنه فقط يريد أن يقول شيئا للتاريخ أي الغراب وأن يكشف الحقيقة براءة للذمة.
أيا كانت هذه الشهادات أو هذه المعلومات دقيقة أم لها تفسيرات أوسع إلى أنها تكشف حقائق مؤلمة لِما كان يحدث في ساحات ما سمي (بالتغيير) من قبل كل القوى وبالذات (الإخوان المسلمين) بقيادة علي محسن الأحمر ورجل الأعمال الشيخ حميد الأحمر، ونتمنى من الجميع أن يحذوا حذو جمال الغراب في الاعتراف بما كان يجري من أجل كشف الحقيقة كاملة، وتوضيح تفاصيل لا تزال غائبة عن الكثير من أجل تصحيح مسار التفاعلات السياسية ومسألة التغيير رغم انكشاف ووضوح الكثير من المسارات التي لا تحتاج إلى الغراب ليكشفها.
جمال الغراب فتح الصندوق الأسود على مصراعيه ولو متأخرا وأرجو منه أن يستمر في هذا السياق طالما أنه أصبح بعيدا عن الالتزامات التي سيترتب عليها اعتقال أو ملاحقة سياسية وسجن وأن يبوح بكل شيء حتى يعرف الناس حجم الخديعة التي وقع فيها كثير من اليمنيين، وحجم اللغظ والجدل حتى يتسنى لنا التحذير ونصح الناس بالابتعاد عن كل هذه المشاريع.
جمال الغراب نشر تفاصيل كثيرة واعتبرها تطهير للنفس وأن أقول بأنها تأخرت لكنها شجاعة ويجب أن يخرج البقية كل ما في جعبهم خاصة الذين تحرروا من ربقة الالتزامات الحزبية والتخندق مع هذا الجزب أو تلك الطائفة أو التبعية مع هذه الدولة أو تلك الجمهورية واستلام مقابل ذلك مبالغ باهظة واعتبار ذلك ثورة.
وأخيرا لا بد من تصحيح المسار لإنقاذ ما يمكن انقاذه اليوم الحوثيون يعتقلون خبرا في التربية والتعليم والزراعة وغيرها ومتخصصين في مجالات أخرى ويلبسونهم تهم العمالة والجاسوسية وهذه كارثة والسكوت مصيبة، لا بد وأن نعي أن استمرار الارتباطات المشبوهة مشكلة، واستمرار سيطرة مليشيا الحوثي الارهابية ونهب المواطنين باسم (المولد النبوي) يزيد من بقاء اليمنيين رهن الظلم والشتات بتهم مختلفة ومبررات كارثية.