منبر حر لكل اليمنيين

عقلانية وبرهانية ابن تيمية

65

تظهر عقلانية وبرهانية ابن تيمية أكثر ما تظهر في عرضه التاريخي الخصب لأحداث الفتنة وتعليقاته وردوده الجريئة الحصيفة على الآراء المثارة حول رجالها وأطرافها والتي تشكلت وفقاً لها الفرق والجماعات والمذاهب.
وأنت تطالع بعض كلامه تشعر كما لو أنه عاش ما نعيشه بالتمام وعانى الأسئلة والقضايا التي نعانيها.
لا تحدثني عن الافغاني ولا رشيد رضا ولا سيد قطب.
عندما يتعلق الأمر بالفتنة وظلالها الدائمة المتجددة، فهؤلاء في معسكر الأعداء، أعداء الحقيقة والعقل، خصوصاً سيد قطب.
في حين ستجد ان ابن تيمية -في هذه المسألة تحديداً- مع الحق والعقل في خندق واحد.

لنقرأ فقرتين من كلام ابن تيمية ونلحقها بفقرات من كلام سيد قطب وأترك لكم الحكم.

ابن تيمية:

“ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدَّعن أن عليّاً كان أبلغ فيه من عثمان، فيقولون: إن عثمان ولَّى أقاربه من بني أمية. ومعلوم أن عليّاً ولَّى أقاربه من قِبَلِ أبيه وأمه، كعبد الله وعبيد الله ابني العباس. فولَّى عبيد الله بن عباس على اليمن، وولَّى على مكة والطائف قثم بن العباس وأما المدينة فقيل إنه ولَّى عليها سهل بن حُنَيْف. وقيل: ثمامة بن العباس. وأما البصرة فولَّى عليها عبد الله بن عباس. وولَّى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي ربَّاه في حجره.
ثم إن الإمامية تدَّعي أن عليّاً نص على أولاده في الخلافة، أو على ولده، وولده على ولده الآخر، وهَلُمَّ جرّاً.
ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأقربين منكراً، فتولية الخلافة العظمى أعظم من إمارة بعض الأعمال، وتولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية بني العم. ولهذا كان الوكيل والولي الذي لا يشتري لنفسه لا يشتري لابنه أيضاً في أحد قولي العلماء، والذي دفع إليه المال ليعطيه لمن يشاء لا يأخذه لنفسه ولا يعطيه لولده في أحد قوليهم”

“والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن عليّ فيما أنكر عليه يُعتذر بأقوى منه عن عثمان، فإن عليّاً قاتل على الولاية، وقُتِلَ بسبب ذلك خلقٌ كثير عظيم، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار، ولا فتح لبلادهم، ولا كان المسلمون في زيادة خير، وقد ولَّى من أقاربه من ولاّه، فولاية الأقارب مشتركة، ونوَّاب عثمان كانوا أطوع من نوَّاب عليّ وأبعد عن الشر.
وأما الأموال التي تأوَّل فيها عثمان، فكما تأوَّل عليّ في الدماء. وأمر الدماء أخطر وأعظم”

لكن انظروا ماذا كتب سيد قطب عن عثمان:

“وغير المال!
كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك فضم إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد.
وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الذى آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرف. وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أخوه من الرضاعة”

ثم يقول:

“ومضى عثمان إلى رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها فى الأرض… وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام…. وليس بالقليل ما يشيع فى نفس الرعية –إن حقا وإن باطلاً- أن الخليفة يؤثر أهله ويمنحهم مئات الألوف؛ ويعزل أصحاب رسول الله ليولى أعداء رسول الله”

وفي كتاب آخر يقول عن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب:

“إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنها طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح”

وفي هذه الفقرة يكتب قطب بطريقة مشابهة تماماً لطريقة عادل الحسني هذه الأيام:

“على أننا لسنا في حاجة يوما من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوية. فهي جزء من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يجهد الكثيرين أن ينالوه.
وإذا احتاج جيل لأن يدعي إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم.
فروح “مكيافيلي”، التي سيطرت على معاوية قبل مكيافيلي بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها! لأنها “روح النفعية”، التي تظلل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات!
ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعيًّا لينتصر للخلق الفاضل المترفع عن الوصولية الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلي بن أبي طالب على معاوية وعمرو”

تعليقات