العليمي ووهم الرئاسة
لا يمكننا أن نشرح مدى فعالية لعبة “الوهم” التي يتقنها رشاد العليمي إلا بصورة جزئية وعبر التصور الذي زرعه مناصروه عنه بأنه يمثل ” حلقة الضعف” في اليمن، إذ يمكن تبني هذه الفكرة فقط من خلال زيارته الأخيرة لمحافظة تعز، المدينة الغارقة في وحل العصابات والجماعات المسلحة، المكتظة شوارعها بالبلطجية والفوضى، حيث تجلى وهم فخامته في إقناع الفاعلين الدوليين في زيارته هذه بأنه مهتم فقط في كيفية حشد بضعة من المطبلين والفاشلين حوله، وبأن العنف والفوضى الذي يمارسه من يحكمون تعز اليوم ضروري حتى لو كان قاسياً وذلك للمحافظة على بقاءه حاكماً شكلياً.
لمحتُ في زيارة العليمي عبارات مركبة وأصوات ملوثة تحكي عن رئيس هش يُصارع الزمن ليلتقط صورة له وهو يلوح بيديه القصيرتان لمجموعة من حاشيته في مشهد أشبه بمغنين المهرجانات الشعبية، لا أعرف أي الفراغ هذا الذي يجره العليمي خلفه، لكني أربط هذا الفراغ الذي أرادهُ العليمي لنفسهُ بذلك الضجر الذي أستبدَ بالذئب العربي، ذلك الذئب الذي أستعار قناعهُ في مسيرتهِ الفاشلة، وحتى هذه اللحظة لم ينزع أحداً قناعهُ عن وجههِ كما فعل العليمي وهو يتفنن في لعب دور الرئيس، ولا أعرف مصدر ولعهِ بهذا الدور المستوحى من الأساطير الشعبية، ولا عجب في ذلك طالما وقد استقر به الحال لكرسي الرئاسة الشاغر.
يبدو أن شيئاً ما في حياة العليمي المأساوية قد أثر عليه وعلى سلوكه وتصرفاته، وجعل منه شخصية مهزوزة وغير متزنة، تجدهُ دائماً حساس للتفاوتات الطبقية والعنف الذاتي العارض الذي يأتي غالباً مع الشعور بالنقص وعدم الارتياح، لكنه يتعافى ويتصالح مع نفسه كلما تذكر أنه يجلس على كرسي لم يعد له هيبته السابقة وهذا أبلغ طموحه.
أنتقد أحد الصحفيين مؤخراً الهالة الإعلامية الهشة المرافقة للرئيس العليمي لمدينة تعز، قائلاً: إن الاعجاب بالرئيس وبالزيارة هو آني ومرتبط بحميمية معينة، وأضاف نقداً على هذا النقد فقال: أن الرئاسة الحالية تفتقر إلى القادة الحقيقيين، أمثال الرئيس علي عبدالله صالح في هيبتهِ العربية الحميرية، والذي أعتبره هذا الصحفي القائد الأوحد في تاريخ اليمن السياسي.
بلا شك كنت أسمع ولا أنكر ما يُقال عن المطبخ الإعلامي للعليمي، وفي كل مرة كنت أخرج وأنا مليء بالتساؤلات الغامضة حول عملية الكتابة العشوائية المرافقة للرئيس، ومثقل بضباب المرحلة وبحماقة الأفكار المطروحة، منها تلك الأحاديث التي كانت تتركني أبحث عن ذاتي وأنا أقرأ خبر يقول بأن الرئيس العليمي ألتحم بالمواطنين وناقش معهم همومهم وصافحهم وتحدث معهم عن قرب، مثل هذا الخبر يجعلني أبحث عن ذاتي تحت سماء لا أعرفها، تماماً كما قال صديقي الكاتب، أحاديث تترك فراغاً فكرياً، وعلامة سؤال في ذهني دائماً حول أمور كثيرة ومتشعبة،
وفي خضم هذه المعمعةِ غير المنتهيةِ المجنونة الملتهبة، ألا يوجد في هذا الكون الموبوء بالظلم ومزاجية الاقليم وعاطفة الحاشية من يوقف هذا الغباء المسكوب؟
من يمنع ذبحكَ يا يمن بسيوف الأعراب الدخلاء؟
أتساءل وأتألم بكل ما بي من وجع، عن قيمة ما يُكتب ويُذاع ويُنشر في منصات الشرعية وبإشراف صغار السياسة، ما قيمة كل هذا النفخ والعربدة والفخامة ورأس خيمتنا نعامة؟ وما قيمة ركضكم ككلاب بابل في شوارع الجيران؟