في الذكرى الـ42 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام
في الـ24 من أغسطس عام 1982م كانت ولادة حزب المؤتمر الشعبي العام، ولادة اليمن الحديث، أحببت هذا الحزب حباً روحياً وأنشددت أكثر لمؤسسه الزعيم الشهيد الراحل علي عبدالله صالح، القائد الشجاع الذي تولى حكم اليمن وهو حاملاً لكفنه وأنهى حياته دفاعاً عن الثورة والوحدة والجمهورية ومكتسباتها متوشحاً كفنه، وبين البداية والنهاية كان لحزب المؤتمر الشعبي العام دور هام في تجنيب الوطن ويلات الحرب والصراع والخلافات، قد يتساءل البعض ماذا تبقى من الحزب اليوم؟ وهو تساؤل قد يكون فيه الكثير من الكيد، وإجابته بقي من المؤتمر الشعبي العام كل شيء، خصوصاً الشغف الشعبي الفطري المحب لهذا الحزب وقياداته المخلصة، وجماليات الرؤى الإنسانية في كل محطاته، بدءاً من أوائل الثمانينات حتى يومنا هذا.
42 عاماً هو عُمر ملايين اليمنيين الذين عاصروا حقبة صالح الشهيد والمؤتمر، لا أظن أنه سيجيء حزباً مثله لعقود طويلة، فلقد ابتلعت الظروف أحزاب وشخصيات، وبقي المؤتمر الشعبي على شغفهِ الأزلي بخيلهِ الطائر.
بلا شك يُعد حزب المؤتمر الشعبي العام باب الحداثة والتطور الذي دخل منه ملايين اليمنيين للعلم والمعرفة والثقافة والعلوم، وكان رافداً عذباً لمن جاء بعده، وهو بجملته العصية العميقة والاستثنائية في القبض بخيوط السياسه الصعبة والمعقدة، كان متجاوزاً أصوات خصومه، ولا أعتقد أن حزباً سياسياً كان أو أيديولوجياً قد تجاوزهُ لحظة، خاصة وأنهم يدركون بأنه أستاذهم في السياسة والاقتصاد والوطنية وفي شتى مجالات الحياة، صحيح أنهم حاولوا أن يطوروا من أنفسهم وأن يذهبوا إلى فضاءات أبعد لمنافستهِ ولكن الحقيقة لا تزال تشعُ حتى الآن بحتمية تفوّق حزب المؤتمر الشعبي العام شعبياً، مع احترامي لعشرات التجارب الفاشلة وللأصوات الأخرى الغارقة في وحل الأحقاد، إلا أن أهمية المؤتمر لا تزال مُحيرة ولا يزال الاهتمام به يزداد رغم مضي أكثر من ثلاثة عشر عاما على تسليمه للسلطه، ولا تزال تجربتهُ السياسية موضوع فخر واعتزاز وبحاجة إلى دراسة واستقصاء لفهم عُمق ابجديات سياسته، ولا أعتبر هذا رأيا شخصياً بقدر ماهي حقيقه لا بد الاعتراف بها.
يبدو طلب الاعتراف بالخطأ أحياناً كمسكن إدماني أسهل من أن يقيس المرء الأمور بميزان الحكمة والمنطق، وهو ما شاهدناه مؤخراً من حملة مريضة تستهدف شخصيات وطنية تمثل شريحة كبيرة من ملايين اليمنيين، لذلك يراجع العاقل بواعثه، ويراجع مآلات مواقفه، ويراجع قيمهِ الأصيلة، واتساقه مع النموذج العبثي الذي قدمته أحزاب المعارضة كبديل لحزب المؤتمر الشعبي العام، ولا يحيد عن الحق لزهوة رأي أو بهرجته أو بلادة أدلجة حزبية، وعند المراجعة سيكتشف أن المرحلة المقبلة تحتاح إلى موازنة الأولويات وتقدير واع للمصالح والمفاسد التي غابت عنا.
كان عليٌَ أن أكتب شيئاً عن المؤتمر الشعبي العام في ذكراه الـ42 لكن قصور الفهم وتدني مستوى الفكر لدى قطيع كبير من الانتهازيين والمؤدلجين ابعدتني عن الكتابة في صلب الموضوع، ونادراً ما كان يشغلني عن حزب المؤتمر الشعبي العام شاغل، وهو الذي كان ولا زال الحياة والنفس والعقل والروح، لكني ولحسن الحظ أعدتُ قراءة كثير من المقالات التي كتبت عن هذه الذكرى العظيمة، والتي تطرقت لأهم محطات حزب المؤتمر ولأهمية وجوده حاضراً في السياسة والاقتصاد والمجتمع، مما جعلني ربما الذهاب للحديث عن الجانب الآخر، خاصة وأننا نمر في مرحلة تستدعي تظافر الجهود وتوحيد الصفوف للنهوض بوطننا وإعادة كرامة الإنسان اليمني الذي غلبت عليه الحرب وحولته لمادة للمزايدة والمتاجرة والكسب الغير شريف.
لعل ما يُميز هذه الذكرى هو رفع العقوبات الظالمة عن الزعيم صالح ونجله القائد أحمد علي عبدالله صالح، هذا الإنسان اليمني الشهم الذي دائماً ما تجدهُ هدفاً لخصوم الوطن، يهاجمون صمته، وحديثهِ وحكمتهِ وكل ما يتعلق به، لم يجدوا في نفوسهم قيمة حقيقية يعتزون بها أمام الآخرين فيلجأون لمهاجمة السحاب، يُشكل صمت السفير أحمد علي عبدالله صالح سكونية متعددة الوظائف، فلصمتهِ قدرة على إجَادَة وحَذَاقَة ذرء الكلمات والمفردات والمصطلحات والألفاظ، ولا أشك أن في صمتهِ توجد الأفكار، فمن لا يعير أي إهتمام للكلمات، ستجدهُ يتجاوز كل ما هو سلبي، وهكذا هو نجل الشهيد صالح، الذي سنحتفي بهِ في هذه الذكرى كأيقونة للنصر والثبات والتجلد والقوة.
ولعلي أجد في هذه الذكرى والمناسبة العظيمة فرصة حقيقية لجميع الأطراف المعنية لمراجعة حساباتها وتجاوز الماضي ومواجهة التحديات والعمل الجاد بصدق وإخلاص لما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين.
يُحاول المواطن اليمني أن يستعيد أحلامه المفقودة وماضي مجد دولته اليمنية التي ينتمي إليها معنوياً في مواجهته للجماعات المتطرفة، الداعية إلى طمس الهوية اليمنية التي تؤثث حياتنا بالدم والموت، مُرعب ما يعيشهُ المواطن اليمني الذي تقسو عليه الحياة وكأنها تنين ضار، ثمة اندفاع وشغف شعبي كبير نحو العودة إلى الزمن البرئ، إلى حقبة صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد، حتى بعض خصوم الأمس يرددون هذه المقولة على استحياء، وكأن لسان حال الجميع يقول ها نحنُ نكتظ بالعبارة والمعنى، بالإشارة واللمح، ولم نكن نحسب أننا سنتلاشى مع كل هذا العبث المُتقن حد اللعنةِ والهذيان.