منبر حر لكل اليمنيين

الحرب على غزة.. تقرير يصف الحرب غزة بأكثر الحروب دموية في القرن الحالي

9

مع اقتراب حصيلة القتلى من 40 ألف قتيل، تتجه الحرب في غزة لتدخل التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير من صحيفة “هآرتس” اعتمد تدقيقا للبيانات من منظور عالمي، ومعدل ووتيرة الوفيات إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

وتقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وغيره من  المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل من الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما).

وقتل ما لا يقل عن 40 ألف شخص في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر. وتشير الصحيفة إلى أنه من حيث النسبة المئوية فذلك يمثل 2 في المئة من السكان البالغ عددهم حوالي مليوني شخص. وعلى سبيل المقارنة، فإن 2 في المئة من سكان إسرائيل هم حوالي 198 ألف شخص.

يقول البروفيسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: “من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفا في القرن الـ21″، مضيفا ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة.

ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات “إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المئة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق”.

تستند الأرقام المتعلقة بعدد القتلى في قطاع غزة إلى معلومات نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي تسيطر عليها حماس. ومنذ بداية القتال، تم فحص المعلومات من قبل عدد كبير من المنظمات الدولية والحكومات ووسائل الإعلام، وهناك إجماع واسع على أن المعلومات ذات مصداقية.

وأصدرت “إيرورز”، وهي منظمة بريطانية تقيم الخسائر في صفوف المدنيين، تقريرا استقصائيا واسعا يدرس بعناية قائمة 3000 اسم نشرتها وزارة الصحة التابعة لحماس، لأشخاص قتلوا في الأيام الـ 17 الأولى من الحرب. قامت المنظمة بمقارنة هذه الأسماء بأخرى من مصادر معلومات أخرى، مثل وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير وسائل الإعلام.

وظهرت 75 في المئة من الأسماء التي جمعها نشطاء في قوائم وزارة الصحة، ووجد التحقيق ارتباطا كبيرا بين البيانات الرسمية  لوزارة الصحة وما نقله المدنيون الفلسطينيون على الإنترنت، وفق المنظمة، التي أشارت إلى أنه في الأشهر الأخيرة تضررت البنية التحتية الصحية في غزة بشدة بسبب الحرب، و”تشير الأدلة إلى أن أرقام وزارة الصحة أصبحت أقل دقة”.

درس سباغات أيضا القوائم ووجد نسبة منخفضة من البيانات الإشكالية، مثل أرقام الهوية المفقودة أو غير المتطابقة. في القائمة المحدثة، حدد حوالي 700 من البيانات الإشكالية من أصل 28,185.

وكشف تحليل للبيانات أن 10,418 من المدرجين على أنهم متوفون هم من النساء (بما في ذلك الأطفال الإناث والمراهقات)، و 6,095 من الأطفال دون سن 12 عاما و 566 من الرضع الذين تقل أعمارهم عن عام واحد.

وقال: “إنها ليست قائمة مثالية، ولكن في الصورة الكبيرة، فإن المعلومات موثوقة للغاية”. ويضيف أن “حقيقة أن وزارة الصحة الفلسطينية تنشر التفاصيل تمكّن مصادر مستقلة من التحقق منها. في المقابل، لا تقدم الحكومة الإسرائيلية أي معلومات تتعلق بعدد القتلى باستثناء عدد الإرهابيين الذين قتلوا، وهذا أيضا يتم توفيره دون أي أساس”.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، أنه قضى على أكثر من 17 ألف مسلح منذ اندلاع الحرب مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة قبل أكثر من عشرة أشهر.

وقال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري: “تواصل قواتنا القتال في غزة.. قضينا حتى الآن على أكثر من 17 ألف إرهابي”.

ولم تعلن حركة حماس حصيلة القتلى من عناصرها منذ اندلاع الحرب، كما لا يمكن التدقيق في الحصيلة التي أوردها الجيش الإسرائيلي.

وتنوه “هآرتس” إلى أن المقارنة الإحصائية بين عدد الضحايا في النزاعات العنيفة هي مسألة معقدة للغاية: أسباب اندلاع العنف، وحجم القوات المقاتلة والاختلافات بينها، وساحات القتال والأسلحة، كل هذه تختلف كثيرا عن بعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك، فإن للأطراف المتحاربة دائما مصلحة في تشويه البيانات، وغالبا ما يكون الخط الفاصل بين المسلحين والمدنيين غير المتورطين رفيعا وغير واضح.

ولفحص شدة الحرب في غزة مقارنة بالحروب الأخرى، استخدمت صحيفة “هآرتس” قاعدة بيانات برنامج أوبسالا لبيانات الصراع (UCDP) ومقره جامعة أوبسالا في السويد، والتي تعتبر واحدة من أفضل قواعد البيانات في العالم بشأن مثل هذه الأمور.

ويقول البروفيسور دان ميوداونيك، من قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس، وهو خبير في الصراعات، للصحيفة إن قاعدة البيانات تعتمد على تقارير مؤكدة عن حوادث مع وفيات وتسمح بالوصول إلى قاعدة البيانات لتحديد مصدر المعلومات لكل شخص يقتل.

ومن منظور عالمي، هناك عدد غير قليل من الصراعات الأكثر فتكا من الصراع في قطاع غزة، لكن الحرب تسببت بالفعل في وفيات أكثر بكثير من عدد من حالات العنف الأخرى التي اندلعت في أماكن أخرى من العالم في السنوات الأخيرة.

ففي الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل حوالي 25 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة. في الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم داعش، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9,100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

ولكن من حيث وتيرة الوفيات، تصنف الحرب في غزة كواحدة من أكثر الصراعات فتكا منذ مطلع القرن.

ومنذ بدء الحرب، بلغ متوسط معدل الوفيات في غزة حوالي 4000 وفاة شهريا. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهريا، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، 2015، كان عدد القتلى حوالي 1370 شهريا. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضا بالمقارنة مع الحروب من تسعينيات القرن العشرين، على سبيل المثال تلك التي وقعت في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهريا 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفا.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ 21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان.

امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذبحة في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أمانا. ومن سوريا، غادر أكثر من مليون لاجئ إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غربا.

ومساحة غزة  360 كلم مربعا، أي جزء بسيط من حجم أوكرانيا، وقد اندلع القتال في كل مكان تقريبا في قطاع غزة. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائما، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق الإنسانية قاسية للغاية ويعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

لكن الرقم الذي يوضح أكثر من أي شيء آخر حجم الكارثة الإنسانية في غزة هو النسبة المئوية للوفيات مقارنة بحجم إجمالي السكان. إن وفاة 2 في المئة من سكان منطقة ما في أقل من عام هو حدث استثنائي للغاية في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة خارج أفريقيا، وفق التقرير.

تعليقات