منبر حر لكل اليمنيين

تـهـامـة الضائـعـة بين المناشدة الإغاثية والمناكفة السياسية

52

كـارثة إنسـانية -بما يعنيه المصطلح من معنى- حلّـت قبل أيام بتهامةَ الأرض والإنسان، مناظرُ مروِّعَةٌ تستنطق لسانك بذكر اللهِ من هولِ جسامتها وفضاعةِ أضرارها.

رضينــا بأقدار الله فينـا، بيوتٌ تهدمت، وقُرىً مُسِحت من الخارطة، ومعايشُ تعطلت، وممتلكاتٌ جُرِفت، وأرواحٌ زُهقت، وأناسٌ فُقِدت، وأطفالٌ ونساءٌ في العراء تشتت، وأضحوا دون مأوى أو غذاء، وطرقاتٌ وجسورٌ تكسرت، ومزارعُ نُسِفت، جراء السيول الجارفة والأمطار الغزيرة، وما خفي أدهى وأطم .. الوضع مؤلم جدًا والحال أبلغ من المقال، والصور ومقاطع الفيديو المنشورة تحكي هول الكارثة وفضاعة المصيبة، بل تختزل في طياتها كميةَ دمارٍ هائلة وكتلةَ معاناةٍ لا توصف، تُدمِي القلب وتُدمِع العين.

يحتــاجُ الأمر، وبشكلٍ عاجلٍ ومستعجلٍ دونما تأخيرٍ أو تباطؤ، لوقفةِ الدولة وحضورها الصادق مع تهامة في ضرائها وشدتها هذه، إن لم يكن من باب انتمائها الجغرافي للدولة ولها حق الرعاية التي توجبها قوانين السيادة وتفرضها حقوق علاقة الحاكمية بين الدولة ورعاياها، فعلى الأقل، من باب رد الجميل لتهامة مانحة الخير وقت رخائها لكل جغرافية اليمن. كما يتطلب الأمر تظافر كافة الجهود المجتمعية وتفاعل أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة من أهل الخير والإحسان. وتكاتف كل السواعد النبيلة القادرة لمد يد العون والمساعدة والمساندة.

في خِضَمِّ تلك النكبة نعلم أنَّ الصراعاتِ السياسية ستلقي حتماً بظلالها على أي جهود إغاثية، وتكون المعرقل الأكبر أمامها، وستطغى تبعاتُها على مصلحة الناس العليا دون أي اكتراث لجراحهم وآلامهم، وقد بدأت بالفعل بوادر تلك التفرُّسَات تلوحُ في الأفق، وتلك للأسف هي ذروة الغياب التام للحكمة اليمانية، والتجسيد الأمثل لظاهرة اللامبالاة وعدم الاكتراث التي تتجلى عند تعطيل العقل وتغييب الضمير وفقد الوازع الديني وتخدير الإحساس بانتماء المنكوبين للتراب الوطني، لكننـا نأمل وسنظل نأمل من ذوي اللب لدى كل الأطرافِ السياسية أن تصغي للمناشداتِ المُطالِبة بتجميد مناكفاتهم السياسية برهةً من الزمن ريثما تنتهي هذه الكارثة الإنسانية البحتة، وتُحَل آثارهـا.

ولا يقفُ أملُنا عند تلك المناشدات، بل إننا نطمع في أن تتحد الجهود، وتتوحد معاً وتقف صفاً واحدًا لمعالجة الكارثة ؛ استشعارًا من الجميع بالمسئولية واستشعارًا لحجم المأساة الإنسانية الفضيعة التي ألمَّت بنا، ومراعاةً لأحوال المنكوبين المغلوبين على أمرهم من يوم أن دقّت الحربُ طبولَها، وحتى بعد أن وضعَت أوزارهَـا، فالناس كانت ولازالت تسبحُ في بحرِ مرارةِ العيش وشظَفِه في أوقات سَرَّائها، فضلاً عن أوقات ضَرَّائها وما أكثرها في أيام حياتهم هذه، فكيف وقد بلغتِ الشدَّةُ اليوم أوجَّهـا والشُّقَةُ والنكباتُ ذروتـها، ومتى إذن تنتهي عذَابَاتُ الناسَ ويصلون كما يأملون إلى شاطئ نهاية تلك المعاناة.

صحيحٌ أنَّ اللَّهَ لا يجمع لمؤمنٍ بين عسرين، لكن يبدو أن هناك اسثناءً لذلك، أو أنَّ مقوماتِ وصفَ الإيمان فينا لم تتحقق، أو أنَّا أطعنا سادَتنا وكبراءَنا فأضلونَا السبيلا فأصابتنا بما كسَبت أيادينا تلك الكارثة، فالعسرانِ في كنَفِ تهامةَ وأهلها قد اجتمعـا. وقائلٌ يضيف: بل وفي أرجاء يمننا الحبيب قاطبةً، ولو بصورٍ مختلفة. لكنَّ أملنَا ورجانَا في المولى كبير، فهو أرحم بنا منا وممن حولنا، وما جرتْ بهِ أقدارُه فينا فلحكمةٍ نجهلها وعنده سبحانه وتعالى علمها وله علينا مطلق القبول بقضائه والتسليم. ولا مناصَ لنا إزاء ذلك كله من واجب الدعاء لتهـامتنـا المنكوبة أرضـًا وإنسانًـا؛ علَّ اليُسْرَ الإلهي يَحِلُّ عليها، ويبددُ آثارَ عُسْريهَا عاجِلاً غيرَ آجل، وذاكَ منتهى الأمل الذي نرجو.
..

تعليقات