منبر حر لكل اليمنيين

الأحكام والتعميمات السلبية

74

الأحكام والتعميمات السلبية -المستفزة رغم كل شيء- التي أطلقها ابن خلدون على العرب وأنهم “أمة وحشية”، واياً يكن ما يعنيه بلفظ “عرب”،
تلك الأحكام والتعميمات سقطت في العصر الحديث بالطفرة النفطية في شمال وشرق الجزيرة العربية.
فالثروة متغير جوهري أدَّتْ من حيث النتيجة إلى التغلب على العوامل الطبيعية القاسية التي جعلت من سكان الجزيرة ما كانوا عليه في مختلف عصور التاريخ من “وحشية” و”بداوة” حسب التعبيرات الخلدونية.
لا شك أن الاسلام في أول عهده كان متغيراً مهماً،
عدا أن أثره التوحيدي، على صعيد الاجتماع والسياسة في جزيرة العرب تحديداً، لم يدم طويلاً، فاتخذت الفرقة ونزعات الانقسام أشكالاً متنوعة من داخل الإسلام نفسه.
ونحن لو نظرنا اليوم بالعين التي كان ابن خلدون سينظر بها إلى الأحوال السياسية والاجتماعية القائمة في شمال وشرق جزيرة العرب لما خرجنا بغير الإعجاب والذهول،
فلا شيء مما نراه هناك يستوجب من ابن خلدون الإنكار، بل هو على العكس يستوجب الثناء والمدح، ودليلنا على ذلك ما نعرفه من مواقفه وآرائه في الحضارة والمُلك والاجتماع.
قد نجد في فكر وآراء الفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد شيئاً صالحاً للاستخدام في النكير على هذا الشكل من السياسة أو ذاك مما هو حاصل في “دول الخليج”، رغم إلحاح الفارابي على أن السعادة غاية كل سياسة،
أقول “قد نجد” ولستُ على يقين من ذلك،
أما لو نظرنا فقط بمنظور فكر ابن خلدون وأخلاقياته في السياسة والحكم فلن نشعر تجاه نموذج النهضة الخليجي بغير الرضا والإجلال.
وبما أن ابن خلدون كان يميز أخلاقياً بين ثلاثة أصناف من المُلك والدولة:
المُلك الطبيعي (وهو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة)، والمُلك السياسي (وهو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار)، والخلافة (وهي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها)،
فإنه لا شك سيضع النموذج الخليجي في صنف “المُلك السياسي”، وقد كان ابن خلدون يفضله على “المُلك الطبيعي” الذي يقابله الطغيان عند أرسطو وهو “مُلوكية لا موضوع لها إلا المنفعة الشخصية للمَلِك”.
وأما الخلافة على النمط الراشدي فهي كما يُفهَم من مجموع فكر ابن خلدون ليست أكثر من “طوبى” لا سبيل إلى تكرارها إلا بإلهام إلهي وخوارق على نحو ما حصل للمسلمين عند مبعث النبي إلى لحظة مقتل عثمان.

أدري المنشور ثقيل وقد يكون ملغز نوعاً ما على البعض، لكن فكرته مع ذلك تستحق التعب.

*من صفحته في فيس بوك.

تعليقات