منبر حر لكل اليمنيين

السيول تخلف آثارا كارثية على الحديدة المثقلة أصلا بأعباء الحرب

38

تعرضت محافظة الحديدة لإعصار مدمر، لم تشهد اليمن مثيلاً له منذ عشرات السنين ، خلف وراءه آثارا كارثية على اليمن المثقلة أصلاً بأعباء الحرب، وشكل كارثة متعددة الأبعاد لمناطق تهامة المهمشة والمصادرة حقوقها منذ وقت طويل، فقد تعمقت خسائر السيول بفعل الاستجابة الضعيفة للأمم المتحدة والدور السلبي لقوى الصراع الداخلية، وضعف البنى المؤسساتية التنموية والإغاثية في جميع المناطق .

السيول والأعاصير ظاهرة طبيعية، حينما تكون البلد مستقرة وتقودها دولة وسلطة واحدة، لكن في ظل غياب الدولة تتحول إلى قضية سياسية واجتماعية وتنموية، تعتمد على كيفية استجابة القوى القائمة والقوى الفاعلة على الأرض لآثار الكارثة، فقد حلت السيول في بلد مزقته الحرب لما يقرب من عشر سنوات، وتشظى سياسياً واجتماعياً وهُدرت مقوماته التنموية والاقتصادية، ما يحز بالنفس أنه لا أحد يدفع باتجاه حل سياسي عادل ودائم، مع دور مركزي للشعب في اختيار من يحكمه وتطوير خيارات تجاوز الصراع والحرب .

يفترض أن هذه الكارثة تكون محفزة للقوى الوطنية لتأطير نفسها في تكتل وطني عابر للأحزاب والمليشيات والاستثمار في تعزيز التضامن الاجتماعي وإعادة الاعتبار للمجتمع المدني في الداخل والخارج، وتحويل البلد من الصراع المميت إلى العمل السياسي والتنموي وتوسيع إمكانيات مساءلة قوى النزاع السياسية والعسكرية، وتطوير دور المنظمات والمبادرات المدنية في إنشاء المجالس المحلية المناهضة للنزاع والحرب والتشظي؛ واستعادة الدولة بوصفها أحد البدائل الممكنة للتحول من اقتصاديات الحرب، والتركيز على استثمار الموارد المادية والبشرية بعيداً عن الاستغلال والعسكرة واستنزاف البلد ماديا وبشريا .

تشكل هذه الكارثة خسائر من الثروة المتراكمة ضرراً فادحاً للاقتصاد، على المستوى الوطني بوجه عام، وعلى إقليم تهامة المتضرر بوجه خاص، وسوف تحتاج هذه المحافظة إلى سنوات طويلة لتعويض الخسائر وسيؤثر ذلك على الناتج المحلي لليمن بشكل عام ، خاصة في المجال الزراعي والحيواني .

يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الخسائر ستؤدي إلى تدهور جديد في الدخل الحقيقي للأسر، مما سيهدد بانكماش اقتصادي إضافي وستساهم في ارتفاع معدل الفقر المدقع، .لقد فشلت القوى المتصارعة في الاستجابة الفاعلة للكارثة ، بل قامت باستغلالها، لتحقيق مصالح سياسية ضيقة ، فقد اتسمت ردود الفعل من جميع الأطراف بالتهرب من المسؤولية ولم تتمكن جماعة الحوثي أو الحكومة الشرعية من القيام بوظائفها، بصفتها سلطات حاكمة، في الاستجابة لكارثة السيول، بل لم نسمع عن استراتيجية مشتركة لمواجهة الكارثة، وإنما استخدمت لتعميق الانقسام، ورفض فتح المساحات اللازمة للتضامن العابر للمناطق .

ولست بحاجة للقول إن استجابة الأمم المتحدة كانت محبطة، فلم تقم الأمم المتحدة بالاستجابة المباشرة للكارثة في المناطق المنكوبة، ولم ترسل معدات وفرق إنقاذ، كما أنها لم تسع إلى فتح الطرق المغلقة من قبل القوى المتصارعة في المقابل نجد استجابة المجتمع المدني هي الأكثر فعالية وحيوية، لذلك ندعو إلى مزيد من هذه المبادرات لحشد المتطوعين وإنقاذ آلاف من الأرواح ، والمبادرات الشعبية هي القادرة على حشد المجتمع المدني وخلق حالة من التضامن الاجتماعي التي يتميز بها الشعب اليمني .

فما فرقته مليشيات الموت وحدته السيول التي لم تعترف بتمزيق الجغرافيا ولا بإغلاق الطرق، فسعت إلى فتحها لتقول لليمنيين إن همكم واحد ومصيركم واحد وجغرافيتكم واحدة، فقط تحتاجون إلى كيان وطني يقدس الحياة وينبذ الموت ويقدم بناء المدارس والمستشفيات والحدائق على بناء المقابر، فهل هناك من رجل رشيد يسعى إلى حمل علم الجمهورية اليمنية ويجعله مصدرا للوحدة بدلا من الرايات المتعددة؟!

تعليقات