منبر حر لكل اليمنيين

لـ ابن سينا في السياسة آراء ذات قيمة عالية

50

ومنها قوله أن أحق الناس بحسن تدبير وإتقان وإحكام السياسة الملوك، ثم الأمثل فالأمثل من أهل الوظائف والمراتب والولايات، ثم “أرباب المنازل ورواض الأهل والولدان فإن كل واحد من هؤلاء رَاع لما يجوزه كنفه ويضمه رَحْله ويصرفه أمره وَنَهْيه ومن تحت يده رَعيته”.
وقوله كذلك أن أصغر هؤلاء شأناً “وأخفهم ظهرا وأرقهم حالاً وأضيقهم عطناً وأقلهم عدداً” يحتاج “من حسن السياسة والتدبير ومن كثرة التفكير والتقدير وَمن قلَّة الإغفال والإهمال ومن الْإِنْكَار والتأنيب والتعنيف والتأديب والتعديل والتقويم إلى جميع مَا يحْتَاج إليه الْملك الأعظم”.
ليس هذا فحسب، بل إن “الفذ الذي لا ظهير له والفرد الذي لا معاضد لَهُ أحْوج إِلَى حسن العناية وأحق بِشدَّة الِاحْتِرَاز من المستظهر بكفاية الكفاة ورفد الوزراء والأعوان، وَلِأَن المعدم الذي لا مال له يحتاج من ترقح الْعَيْش وَمَرَمَّة الحال إلى أكثر ما يحتاج إليه الغني الْمُوسر”.
هذا يعيدنا إلى ما نقله ثيوسيديس من أقوال الوفد الأثيني [نُسبةً إلى أثينا اليونانية] بعد فشله في إقناع قادة مدينة ميلوس -حليفة اسبرطة- بالخضوع طوعاً لسلطة الامبراطورية الأثينية:
“إنّ طريق السلامة هي أن يحافظ المرء على حقوقه عندما يكون الأمر متعلقاً بدولة مساوية في القوة لدولته، وأن يُظهِر الحنكة السياسية عندما يكون الأمر متعلقاً بمن هو أقوى منه، وأخيراً أن يكون عاقلاً منصفاً عندما يكون الأمر متعلقاً بمن هو دونه بأساً وقوة”.
وأول ما ينبغي أَن يبدأ به الإنسان من أصناف السياسة -كما يقول ابن سينا- “سياسة نَفسه إِذْ كانت نفسه أقرب الأشياء إليه وأكرمها عليه وأولاها بعنايته ولأنه متى أحسن سياسة نَفسه لم يَعْيَ بِمَا فوقها من سياسة الْمصر”.
كل هذا جميل من ابن سينا ولا خلاف عليه.
لكن إضافة إلى ما سبق، كان لـ ابن سينا، وهو الفيلسوف الموصوف بالعقلانية تمييزاً له عن الفقيه السلفي الموصوف بتعطيل العقل لصالح النقل، آراء في السياسة صادمة وعنيفة بمعايير زماننا،
ومنها رأيه في ما يجب على الحاكم فعله ضد الخارجين، المتمردين، على السنة الجارية في المدينة/ الدولة، ويقصد بلفظ “سنة” النظام العام، أو القانون الساري.
مثلاً في كتاب الشفاء، يبدأ بتوضيح ما يراه في مواصفات الإمام والخليفة، فيقول: “والاستخلاف بالنص أصوب فإن ذلك لا يؤدي إلى التشعب والتشاغب والاختلاف”،
وهو قول يدل بعمق على تشيعه.
ليس هذا ما يهمنا الآن، وإنما ما أتبع ذلك من توصيات لـ الإمام أو الخليفة في كيفية التعامل مع الخارج عليه:
“ثم يجب أن يحكم (الإمام/ الخليفة) في سنته أن من خرج فادعى خلافته بفضل قوة أو مال، فعلى الكافة من أهل المدينة قتاله وقتله، فإن قدروا ولم يفعلوا فقد عصوا الله وكفروا به، ويحل دم من قعد عن ذلك وهو متمكن بعد أن يصح على رأس الملأ ذلك منه.
ويجب أن يسن أنه لا قربة عند الله تعالى بعد الإيمان بالنبي أعظم من إتلاف هذا المتغلب”.
ويقول ابن سينا أيضاً: “وأما الأعداء والمخالفون للسنة، فيجب أن يسن مقاتلتهم وإفناءهم، بعد أن يُدْعَوْا إلى الحق، وأن يُباح أموالهم وفروجهم؛ فإن تلك الأموال والفروج إذا لم تكن مدبرة بتدبير المدينة الفاضلة، لم تكن عائدة بالمصلحة التي يُطلب المال والفروج لها، بل معينة على الفساد والشر. ولا بد “من ناس يخدمون الناس”، فيجب أن يكون أمثال هؤلاء يُجبرون على خدمة أهل المدينة العادلة”.
وأنا لا أدري ما الذي يختلف فيه رأي الشيخ الرئيس ابن سينا في هذه المسألة عن الأقوال التي يُستدل به عادةً على تطرف شيخ الإسلام ابن تيمية مما ورد في فتاويه الخاصة بجهاد الرافضة والباطنية واليهود والنصارى،
والتي تُنتزع من أفقها التاريخي والمكاني انتزاعاً مغرضاً من المُحب والمُبغض معاً!

تعليقات