منبر حر لكل اليمنيين

نص “المنسي في شتات الجحيم”

56

أتحلم بالشعر؟
– أحلم بـ(الزوامل والشيلات) وأناشيد الموت، تعيدني نحوي كمذبحٍ أخير.

أتحلم بالحب؟
– أحلم بالحرب وكتائب القتل المعمهة بالله، تتصيدنا واحدًا واحدًا وتضيفنا إلى قوائم كارهي الوطن.

أتحلم بالوطن؟
– أحلم بملشنة السماء حامية تجار الموت الذائدين عن خزائن وطنهم بمزيدٍ من الدماء

أتحلم بالغناء؟
– أحلم بالاستماع إلى قهقهات النساء ورقصهن الممكن على الساحل الذهبي المدجج بالفقهاء وبالأسلحة.

أتحلم بالشرب؟
– أحلم بهدم الرؤوس التي خرجت كالوطن عن التغطية، وبعض الكلام عن الجنس والرغبة المشتهاة.

أتحلم بالنساء؟
– أحلم بالريح يعض ذاكرتي نسيانها، وتلف رأسي بنعش الوطن.

أتحلم بالعشق؟
– أحلم بالصدى يفهرسني في كتاب الغيب ويستنشق وجعي روائحَ بارود.

أتحلم بالظل؟
– أحلم بسيجارٍ واحدٍ، أدخنه على مهلٍ، حتى ينبع الموت من بين أصابعي، عيونَ ماء.

أتحلم بالسكينة؟
– أحلم بمراقصة أمواج البحر، والنوم الطويل على أسنة الليل المعبأ صلواتَ الزور.

أتحلم بالحياة؟
– أحلم بتوفير ما تبقى من العمر عشاء لأطفال الفقراء الدامعين في أعنة أوجاعهم.

أتحلم بالجنة؟
– أحلم بحوريةٍ واحدةٍ، انشقت عن رأسي قبل 40 تيهًا، ودربت رغبتي على معاقرة النسيان، ورسم صورتها على أجساد العاريات.

أتحلم بالطفولة؟
– أحلم بأطفال الفقراء هاجسين في عدمية السماء بحثًا عن إلهٍ وحيدٍ لم تلوثه الفضيلة ومدافع الجيش.

أتحلم بالأصدقاء؟
– أحلم بالهروب من التبعية، والتخلص من عفشٍ زائدٍ عن حاجة النفس إلى السكينة.

أتحلم بالهروب؟
– أحلم بالبقاء على ناصية الريح مدةً أطولَ، وزيارة اليباب كل عيد.

أتحلم بالضوء؟
– أحلم بالركض في أودية العدم، وسقوط العرش على أفئدة الجوعى حليبًا وماءً وخبز.

أتحلم بالماء؟
– أحلم بصهيل الموتى يجرح بوابة الجحيم، ويضيف إلى الفراغِ صدىً آخر يحد أسنان التِّيه.

أتحلم بالعيد؟
– أحلم بوجهٍ كفيفٍ يلاسن السماء بعصاه، ويتذوق حزنه منفردًا بعينين نائيتين عن الفرح.

أتحلم بمزيدٍ من الوقت؟
– أحلم بالامتلاء من وساوس الغرباء، والنزوح عن أماكن الضوء المتخيلة في اللغة الميتة.

بما تحلم إذن؟
– الخروج من الجنائز منتصرًا كالفراغ الذي ينضج الآن
مجردًا من كل شيء
لا شعرَ، لا حبَّ، لا وطنَ، لا غناء
لا شُربَ، لا نساء، لا عشق
لا ظلَّ، لا سكينة، لا حياة
لا جنةَ، لا طفولة، لا أصدقاء
لا هروبَ، ولا ضوء،
لا ماءَ، لا عيد،
ولا وقتَ أكثر.
بموتٍ بسيطٍ يليق بهذا المنسي في شتات الجحيم
وهو يهذي مع الله في رمق القصيدة الأخير.

من ديوان رغوة الضوء .. رغاء العتمة

تعليقات