منبر حر لكل اليمنيين

هذيان الصباح

47

عند مطلع كل فجر اذهب الى مقهى صغير، ولانني كنت اول من سكن من اليمنيين وربما العرب في هذا المكان القصي في ضواحي الجيزة، منذ ثمان سنوات اطلق عليا أبناء الحي، وموظفي المقهى اسم “الخواجه” ثم اصبح هو اسمي الشائع، هنا لا احد يعرف اسمي، هنا لا عبدالستار ، ولا ، شبزي، حتى الآن، فقط الخواجه، والخواجة في لسان المصريين هو أوربي يلبس “بدلة وبرنيطة” كما عرفتهم مصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سواء كان القادم يونانياً أو إيطالياً أو إنجليزياً أو غير ذلك من الجنسيات التي كانت مصر مقصداً لها انذاك، ،
يسارع عامل المقهى بالصراخ بصوت جهور،في كل صباح عند وصولي “جهز شيشة وقهوة الخواجه يارايق”، احتسي كوبين صغيرين من القهوة، انفخ ثلاثة احجار سلوم، ثم اقسم ان اخفف من تفاعلي السياسي، والانشغال اليومي بالسياسة، واقول في نفسي ليس هناك صدى لكل ضجيجنا وحتى قاعدتي المفضلة،التي تقول:
“اذا لم تستطيع أن تهزم المجرم او الظالم أزعجه”لا تدعه يهنأ بجريمته” اجدها ليست ذات نفع، بعد كل هذا الخراب، (فالح)وثية) طاعون سيقضي على الشمال تماما، (والاخ)وان) كوليرا ستصيب الشرعية بالاسهال حتى الموت، والشرعية مخيبه للآمال، “والشعب لديه نقص المناعة المكتسب” ولذا اوصي نفسي واحزم امري، واحدد هدفي مستفيدا من هرطقات كتب التنمية البشرية المقرفة، التي اتورط احيانا بقراءتها، لعل اخرها كتاب “التعامل مع ذوي الطباع الصعبة” مشكلة هذه الكتب انها تبيع وهم ساذج،
من مثل لكي تنجح عليك ان تكرر انا ناجح انا ناجح انا ناجح كما كان المرحوم ابراهيم الفقي احد رواد التنمية البشرية يكرر، الان انا اردد، ثلاثا خلاص، خلاص، خلاص، سوف اخذ بنصيحة امي واسرتي، سوف افعل مايلي :
1/اطنش اجرام الح)وثي ،
2/اطنش عبث الاخ)وان،
3/اطنش فساد الشرعية،
واهتم بعملي البسيط الذي شرعت فيه مؤخرا، اتكسب منه شيء لحياة كريمة، بعد عذاب ومشقة سبع سنين عجاف دون معين ولا اعاشة ولا اهتمام يليق، من احد، رغم الخروج الإجباري من الوطن، يومها كنت اردد قول شاعر العراق،
“إن المصائبَ طوعًا أو كراهيةً
أعدنَ نحتي، كما أبدعنَ تلويني”
هكذا كل صباح ارسم بوصلة المستقبل، ٖومع الحجر السلوم الاول وكوب القهوة الاول اشرع في تنسيق جدول اعمالي القادم، سوف اعتكف لاعداد اوراق كتيب صغير قيد الاعداد، واستمر في برنامج القراءة الذي اواضب عليه مجتهدا منذ سنوات ما استطعت، واتمتع بالحياة، وانمي عملي البسيط عله ينجح ،وهذا يكفي،
اقسم ثلاثا بيني وبين نفسي على ذلك، واردد، بصوت خفيض ساكتفي بحديثي للقنوات بشكل تحليل عابر كما يفعلون، او على الاقل استفيد من الدرس الذي تعلمته وانا امارس مهنة التحليل السياسي والاجتماعي والفكري، خلال تجربتي المتواضعة، وملخص هذا الدرس انه يمكنك ان لا تكون تعبوي ولا تصدر رسالة او موقف في تحليلك، وتكتفي فقط بحدي “الوصفية والتقرير” وهذا يجعلك في نظر البعض مهني او محايد، وبعض مدارس التحليل السياسي تعتبر ان الواقعية، والحياد هي الركيزة الاولى ، وان التبصر الاخلاقي ليس شرطا، هكذا تتناثر شظايا الافكار براسي مع كل نفخة نهس ونخس شيشة وتصلح القهوة ما افسده حجر السلوم، احيانا اشك ان مشاركتي في قراءة الاحداث في المقالات او عبر القنوات ليس وعيا وغضبا ولهبا مرتعش، كما يخيل لي، وانما يمكن فهمه في سياق تراجيدية فلسفية هدفها الإنتقام، فبحسب وصف “نيتش” إن السخط السياسي والأخلاقي هو وسيلة الإنتقام، المهم بعد كل هذه “الدوشة” اتخذ القرار في المقهى مع نهاية الحجر الثالث وكوب القهوة الثاني، وامضي في سبيلي، مودعا صديقي العامل في المقهى أقول له سجل الحساب لاخر الاسبوع، وهو يقول من غير فلوس يا “خواجه” ثم بعد ساعات تستفزني قصة ما او حدث او نثرة، واجد راسي يصرخ انا لست محايدا، انا متطرف ضد جماعات اليمين الديني أينما كانت، والح)وثي نموذجها الاوسخ، واعود الى ذلك، الادمان ، للسياسة والشيشة، ولا اجد وصفة سحرية للخلاص من كليهما،
وتبقى الحكاية حكاية يا شبزي…

تعليقات