الحلقة الثالثة: قراءات من الميثاق
الباب الأول
الإسلام عقيدة وشريعة
إن الإسلام بالنسبة لشعبنا اليمني –كان وما يزال- أساس تكوينه الفكري والروحي، فهو بمبادئه وقيمه الأخلاقية، ضمير شعبنا، الذي يستحيل تجاهله أو استبداله بضمير آخر، ذلك أن النظرة الإسلامية للكون والإنسان تتميز بالشمول لكل جوانب الحياة المادية والروحية.
هذا الشمول هو جوهر الإسلام، وهو شمول مرن، لا يصب الحياة في قوالب جامدة متحجرة ضيقة، ولكنه يضعها في إطار سماوي –لا صلة له بالعقلية الكهنوتية- ثم يترك للعقل في هذا الإطار حرية الانطلاق والاجتهاد والبحث والاستنباط واستحداث النظام ولأساليب، وتغييرها، وانطلاقاً من المنهج الإسلامي الشامل لتلاءم مع ظروف الحياة المتطورة.
فالتشريعات الإسلامية تتسم بالقدرة على استيعاب الحياة وحل مشاكلها المتجددة والقدرة على تنظيم الحياة في كل زمان ومكان، إنه منهج للبشرية جمعاء أرسى مصدره الإلهي في قواعده وأصوله، من سعة الآفاق، وكلية الإحاطة، ما جعله عالمياً قادراً على الحياة والعطاء والإبداع.
ومن خصائص المنهج الإسلامي أيضاً ثبات قواعده وأصوله، ومرونة فروعه ووسائله وأساليبه، وهذا ما أعطاه القابلية والقدرة على استيعاب الحياة وقيادتها إلى الأفضل في أية مرحلة من مراحلها، وهو إلى جانب ذلك منهج يعتمد على رقابة الضمير قبل رقابة السلطة.
ولقد فهم آباؤنا اليمنيون الإسلام بهذا الشمول فاعتنقوه، وارتبط تاريخنا بتاريخه، وآمالنا بروحه، وعندما أصبنا بالبلاء الذي أصيبت به البلاد الإسلامية من تفكك وانحطاط وجهل وظلم، ظل الإسلام القوة التي واجه الشعب بها جبروت الطغاة وحملات الغزاة.
ونحن –بحمد الله- شعب مسلم/ موحد العقيدة، أرتضى الإسلام شرعه ومنهاج حياة، ومن ثم، فإن معالجة الميثاق قضايا الحياة معالجة إسلامية، يعتبر السبيل الوحيد للتعبير عن ضمير الشعب وإرادته، وللحفاظ على كرامتنا، وكياننا المستقل، وشخصيتنا المميزة، وفي إطار المفاهيم العظيمة للإسلام، نستطيع أن نتعامل مع التقدم الفكري والعلمي –أخذاً وعطاء- دون أن نكون نهباً للأفكار والنظريات المتصارعة الفردية والجماعية.
وإذا كان تصور الفكر المادي للإنسان والحياة تصوراً ضيقاً يتجاهل المعاني الروحية، ويجعل هذه الحياة هي البداية، وهي النهاية وهي الغاية، وبذلك تبقى الغرائز في الإنسان مشدودة إلى حيوانيتها، بدلاً من السمو بها إلى آفاقها الإنسانية، فإن التصور الإسلامي الشامل للإنسان والحياة، يربط المادة بالروح، ويربط الحياة الدنيا الزائلة بحياة خالدة هي الغاية، وبذلك يربط الإنسان بالله، فتسمو غرائزه ويعود إلى الصورة المثالية التي أرادها الله له ويستقيم في كل عمل يعمله.
” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ”
(التين)
” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر”.
(العصر)
” يومئذ يصدر الناس أشتاتاً، ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره ”
(الزلزلة)
لذلك فكل تصوراتنا للإنسان والكون والحياة ينبغي أن ينبثق من التصور الإسلامي الشامل وأن ننتهج في حياتنا العملية سلوكاً مستقيماً يؤكد هويتنا الإسلامية، إنطلاقاً من الثقة المطلقة بشمولية المنهج الإسلامي، الذي نظم عملياً علاقة الفرد بنفسه، وعلاقته بخالقه، وعلاقته بأسرته، وعلاقته بمجتمعه، وعلاقة مجتمعه به، وبين الأصول والقواعد التي تحكم سير الحياة إجتماعياً وسياسياً، واقتصادياً، وثقافياً.
” ما كان حديثاً يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه، وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون”
(يوسف)
إننا نرفض أية نظرية في الحكم، أو الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع تتناقض مع عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية، ولكننا نعتقد إن من حق أي فرد أو جماعة امتلاك الحرية في إعلان الآراء والأفكار، وإنتهاج العمل الديمقراطي السليم لتحقيقه، بشرط أن لا يخرج عن الإطار الإسلامي.
وإنطلاقاً من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي، نرى أن أهم المرتكزات التي تقوم عليها حياتنا العملية، هي العودة إلى المنابع الصافية للعقيدة، كتاب الله وسنة رسوله، ومقاومة البدع الفاسدة الأباطيل الدخيلة على الدين، ومقاومة نزعات الإلحاد والشرك، وإحياء رسالة المسجد، حتى يعود إلى سابق عهده، مركز هداية وإشعاع، وإصلاح، وسمو في العلاقات العملية.
فـ “الدين المعاملة”
والمعاملة هنا شاملة جامعة لكل العلاقات الشخصية والاجتماعية وتتمثل في الآتي:
1- علاقة الإنسان بالله.. وتتمثل في الإيمان الصادق الذي يربطه بالقيم الأخلاقية وفي إقامة العبادات، والشعائر، واحترامها، ليتم الاتصال الدائم المتجدد بالله، وهو اتصال يتم مباشرة دون واسطة كهنوتية، لأن السلطة الكهنوتية ليست من الإسلام، وهدفه تطهير النفس البشرية وتهذيبها على الفضيلة وتجدد مراقبتها مع كل عبادة من العبادات.
2- وفي مجال علاقة الإنسان بالمجتمع الذي يعيش فيه فإن سمو العلاقات يتمثل في مراقبة النفس مراقبة واعية، تروض الغرائز الذاتية وتقيدها بالقيم الأخلاقية التي تشكل المعايير السليمة لاستقامة البنية، وأهم تلك المعايير:
– أن تكون مصلحة المجتمع فوق مصلحة الفرد.
” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”
(الحشر)
– المساواة ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” -حديث شريف-.
– التعاون ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”
(المائدة)
– عدم الإضرار بالغير ” إنما دماؤكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام” -حديث شريف-
– إن الإسلام يرعى الفرد كما يرعى الجماعة كلها، فحياته وكرامته وحريته، وأمنه وحقوقه، تساوي في أهميتها حياة وحرية وكرامة وأمن وحقوق المجتمع كله، لأن الإنسان هو الإنسانية، والإنسانية هي الإنسان.
” من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ”
(المائدة)
” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون”
(البقرة)
3- أما سمو العلاقات بالكون والأشياء، فيتمثل في التفكير الذي يحرر العقل من الأوهام والخروقات والانغلاق ويطلقه مفكراً في ملكوت الله، يكشف أسرار الكون، وسننه الثابتة ليزداد علماً وإيماناً، ويزداد قدرة على استثمار خيرات الكون، استثماراً مبدعاً ومحدداً.
فالتفكير وطلب العلم والمعرفة واستخدام الأشياء بإتقان وإبداع، أمور يعتبر في الإسلام فريضة، ترقى إلى مستوى العبادة.
” أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء”
(الأعراف)
” قل هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون ”
(الزمر)
(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)
-حديث شريف-
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)
-حديث شريف-
4- وسمو في علاقة الإنسان بالمال ويتمثل في أساس أكده الإسلام.. وهو أن المال مال الله، وأن الإنسان مؤتمن ومستخلف فيه.
” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”
(الحديد)
” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ”
(النور)
والاستخلاف لا يجوز أن يكون أسلوبه كسب المال بالظلم أو التحايل أو الاستغلال.
” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وتدلوا بها إلى الحكام، لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ”
(البقرة)
كما لا يجوز احتكاره أو كنزه..
” كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم”
(الحشر)
” والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم”.
(التوبة)
كما أوجب الإسلام الإستقامة في التصرف بالمال.
” والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً”
(الفرقان)
5- وفي مجال الحكم يتمثل سمو العلاقات في إقامة العدل بين الناس.
” ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى”
(المائدة)
كما جاءت الشريعة الإسلامية مقررة لمبدأ الشورى
” وأمرهم شورى بينهم ”
(الشورى 28)
وفي قوله تعالى ” وشاورهم في الأمر” (آل عمران 159)
وفي الآيتين مبدأ الشورى الذي كرس مبدأ حق الناس في اختيارهم حكامهم، ومن هنا فإن الخروج على السلطة القائمة على ذلك المبدأ أو الوصول إليها عن طريق يتنافى مع هذه القاعدة الإسلامية يعد عملاً غير شرعي فالسلطة الحاكمة في الإسلام لا تكون شرعية إلا إذا إختارها الناس بالطريقة التي يتفقون عليها.
بل إن الإسلام لا يكتفي بحق الاختيار للحاكم، بل يوجب إستمرار رقابة الناس عليهم حتى يؤدوا الأمانة ولا ينحرفوا إلى التسلط والظلم.
” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”
(أل عمران)
وتحقيقاً لهذه المبادئ الإسلامية فإن نظامنا الجمهوري يقوم على أسس دستورية واضحة تضمن السيادة الشعبية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة وحق المعارضة في إطار الالتزام بالشرعية الدستورية، وتحقق العدل والتكافل الاجتماعي، وترسي مبدأ سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتضمن تكافؤ الفرص أمام الجميع والنمو في جميع المجالات وصولاً إلى بناء مجتمع سليم فاضل، يبدأ برعاية الأسرة باعتبارها نواة المجتمع وإعداد المرأة إعداداً يمكنها من القيام برسالتها العظيمة في البيت، كأم فاضلة، ويمكنها من مشاركة الرجل في التعليم والعمل وبناء الحياة في المجالات التي تستطيع أن تبدع فيها.
فـ ( النساء شقائق الرجال)
-حديث شريف-
ويهتم بالتربية والتعليم، وفقاً لمنهج يساير التقدم العلمي، وإعداد الشباب إعداداً روحياً وبدنياً وعملياً وأخلاقياً، يمكنهم من تحمل المسئولية بجدارة، كما يهتم بالثقافة والإعلام لتكون كل أجهزة الدولة، وكل فئات المجتمع، واعية ومدركة، ومتطورة مع الحياة.
كل ذلك في إطار التصور الإسلامي، ليتقيد الجميع بأحكام وتعاليم الإسلام وآدابه، وأخلاقه فكراً وسلوكاً.