رحيل مبكر وموجع يا رفيق العمر محمد
في لحظة عصيبة وصلني خبر صادم وغير متوقع، لا زلت حتى كتابة هذه السطور وأنا مصاب بالحزن غير مستوعب رحيل أعز أصدقائنا أخونا الحبيب، محمد بن محمد عبدالله العمري، الذي رحل عن حياتنا مبكرًا.
جاء الرحيل وقد كان محمد رفيق الصبا وصديق العمر وزميل الدراسة وشَهدُ الأيام واللقاءات الجميلة، الأخ والخليل الوفي المحب لأصدقائه صاحب الروح الطيبة والوجه البشوش على الدوام.
كنا على تواصل دائم للاطمئنان على بعضنا البعض، وقد كان محمد دائمًا الأكثر ودًا ومحبة وتفقدً لأصدقائه ومحبيه قريبا منهم حاضرا بهم ومعهم كثير الالفة طيب المعشر.
كان آخر لقاء جمعني به منذ قرابة سنه حينما أتي إلى القاهره في رحلته العلاجية القصيرة، وكانت سعادتي لا توصف برؤيته. كيف لا وهو الشخص الودود اللطيف الذي كانت مرافقته دائمًا مليئة بالمتعة والمحبة والعمل البنّاء وتبادل الأفكار والخبرات وقد ظل التواصل بيننا مستمرًا ولم ينقطع أبدا.
محمد كان من الزملاء والاصدقاء الاعزاء، وكان بمثابة الأخ ورفيق العمر، وهو من القيادات الوطنية المخلصة التي خدمت بلادها بتفانٍ وإخلاص في كل المواقع التي شغلها، كان نجمًا لامعًا منذ أيام دراستنا في الثانوية والجامعة. كما كان من أكفأ رجال الدولة، وهو هامة فكرية وثقافية، وأحد أعلام الوفاء والنبل والأخلاق الحميدة.
في الفترة الأخيرة، زادت آلامه بسبب المرض الذي أنهك جسده، وكان يشعر بآلام الناس ومعاناتهم نتيجة الحرب وما سببته من دمار وخراب. منذ خبر إسعافه إلى المستشفى ودخوله العناية المركزة، ونحن وجميع محبيه في حالة من الذهول والألم، نرفع الأكف بالدعاء إلى الله أن يلطف به.
نبأ الوفاة كان صادمًا كالصاعقة، شعرت معه أن صنعاء وكل اليمن فقدت أحد أبنائها البررة الطيبين، وأن الأشياء الجميلة تغادر عالمنا، وأن الحدائق تفقد أجمل أزهارها، وأن الاخبار السارة لم تعد تأتي إلا نادراً ونادراً جدا لكن املنا بالله كبير يا محمد فأنت عند الله خير صاحب.
محمد كان نموذجًا للإنسان الراقي والأنيق في فكره ومظهره وسلوكه، شخصية قوية وإداري متمكن، يحمل قيم الوفاء والشهامة، صاحب عطاء لا يكل ولا يمل، مفعم بالبهجة، لطيف المعشر، ودود، صاحب معرفة وخبرة إدارية كبيرة، واجتماعي من الطراز الرفيع. كان مجلسه ملتقى للأصدقاء ونموذجًا للمحبة والإخاء، برفقة أستاذنا القدير الدكتور حسين العمري، الذي يثري كل موضوع بخبرته وتجاربه وعلمه.
الخسارة فادحة والرحيل موجع لنا جميعًا ولأولاده وأحبابه وكل من عرفه عن قرب من خلال العمل أو اللقاءات العابرة أو اجتماعات العمل. كان محمد نافذة للأمل، ابتسامته لا تنقطع، كان رجلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تجسدت فيه القيم والصفات النبيلة والمبادئ والخصال الكريمة.
أكتب الآن بيد مرتعشة وقلب مكلوم وفؤاد اهتز من هول النبأ. لقد تشاركنا كثيرًا في الأفكار، كنا توأمين في الحياة منذ الصبا، ولنا معًا ذكريات لا تُنسى، لكنها سنن الله التي لا مرد لها.
غادرنا محمد ليترك في عيوننا: فيضا من الدموع، وفي نفوسنا جبالا من الحزن ووديانا من الألم.
مهما كتبت، أشعر أنني عاجز عن التعبير، بل عاجز عن وصف حالتي وإيفاء محمد حقه كأخ وإنسان وقائد إداري وشخصية اجتماعية جامعة. والحديث عن ذلك يتطلب أكثر من مقال.
فقيد الوطن محمد كان نبض صنعاء وروحها، وقد شكل من موقعه في أمانة العاصمة خلية نحل، أحاطه الناس وزملاؤه بالمحبة لخلقه وأدبه وإخلاصه في العمل وصدقه في التعامل. كان يمثل نفسه وشخصيته خير تمثيل، بمهنية وإنسانية عالية.
أربعون عامًا من العلاقات الطيبة عكس فيها محمد روحه الخلاقة ونضال أسرته التي ظلت محل تقدير وهي تخوض غمار السياسة والعلم والمعرفة والفكر المستنير.
بأي العبارات أودعك يا صديقي، وبأي الكلمات أواسي أبناءك الكرام يحي ووائل ولؤي، وأسرتك الكريمة ، زملاؤك المكلومين ومدينتك اليتيمة؟ السلام على روحك الطيبة وسيرتك العطرة ووفائك الخالد ورحيلك الموجع، ربنا يتغمدك بواسع الرحمة والمغفرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.