منبر حر لكل اليمنيين

تواطؤ أممي جديد وموافقة سعودية.. تحقيق مشترك يكشف وصول سفينة روسية ميناء الصليف الخاضع للحوثيين

43

حصلت سفينة شحن روسية، وترسو بشكل روتيني في شبه جزيرة القرم “المحتلة”، على موافقة الأمم المتحدة لتفريغ حمولتها في ميناء الصليف الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي الإرهابية، وفق تحقيق مشترك أجرته شركة “لويدز ليست” البريطانية وموقع “بيلينج كات” الاستقصائي، في تواطؤ أممي جديد أثار تساؤلات ومخاوف من سياسة المجتمع الدولي تجاه الملف اليمني.

وأثارت الشحنة التي حصلت فعليا على ختم موافقة الأمم المتحدة على التجارة من منطقة متنازع عليها دوليا إلى أخرى، تساؤلات حول صحة آلية الموافقة التي تقودها الأمم المتحدة والتي سمحت لروسيا بمواصلة هدفها المعلن المتمثل في توسيع صادرات الحبوب من الأراضي المحتلة.

وقامت سفينة شحن البضائع السائبة “ظفر”، والتي كانت مشاركا نشطا في الأسطول المتنامي من السفن الخاضعة لسيطرة روسيا والتي تنقل البضائع خارج الموانئ المحتلة منذ سبتمبر 2023، بتحميل شحنة حبوب في سيفاستوبول في مايو من هذا العام، تحت غطاء فجوة في نظام التعريف التلقائي الخاص بها، الذي كان قيد التشغيل.

وبحسب التحقيق أبحرت السفينة إلى جيبوتي حيث حصلت على الموافقة من آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة للتوجه إلى ميناء الصليف الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي ووصلت في 30 يونيو الماضي.

ويقول التحقيق المشترك: لإتمام هذه التجارة، كان على السفينة “ظفر” الحصول على موافقة من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش -وهي الهيئة التي توافق على الشحنات المتجهة إلى الموانئ اليمنية غير الخاضعة لسيطرة الحكومة- وخلية الإجلاء والعمليات الإنسانية التي تقودها السعودية، وهي هيئة منفصلة تماما عن الأمم المتحدة.

وأضاف: يجب على السفن التجارية تقديم طلب تخليص مع الوثائق الداعمة، مثل سندات الشحن وتصريح التخليص من ميناء التحميل، إلى آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش قبل وصولها.

وفي حالة عدم وجود أي مشكلات، تمنح الأمم المتحدة الموافقة. ولكن إذا كانت هناك أي شكوك بشأن تحركات السفينة أو طاقمها أو وثائقها أو البضائع المحظورة على متنها فإن آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش ستقوم بتفتيش السفينة.

وفي حالة طلب “ظفر”، فإن النمط الروتيني للتجارة خارج الأراضي الروسية المحتلة، والذي يزعم محللون أمنيون أنه كان ينبغي أن يثير “علماً أحمر” واضحاً للمفتشين، لم يمنع الموافقة عليه في نهاية المطاف.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن “ظفر” والتي تحمل العلم الروسي ذهبت إلى آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، للتفتيش وتمت الموافقة عليها في 21 يونيو، مع شهادة تالية في 22 يونيو 2024.

وبعد ذلك، أصبح الأمر متروكا للجنة العمليات الإنسانية الطارئة بقيادة السعودية لاتخاذ القرار النهائي بمنح الموافقة على السفينة بناءً على تقرير التفتيش الذي أعدته آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش.

رفض أممي

ورفض مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية تقديم مزيد من المعلومات عن السفينة، بما في ذلك ما إذا كان من المعروف أن ميناء التحميل هو سيفاستوبول في وقت الموافقة على التصريح، وما إذا كانت السفينة قد خضعت لتفتيش فعلي.

وتمثل شحنة “ظفر” المرة الأولى التي يُسمح فيها لسفينة تديرها روسيا بنقل الحبوب مباشرة من شبه جزيرة القرم المحتلة إلى ميناء يسيطر عليه الحوثيون في اليمن. ووصف محللون أمنيون هذا التطور بأنه مثير للقلق وكان ينبغي أن يدق ناقوس الخطر داخل الآلية التي تقودها الأمم المتحدة.

وهذا التواطؤ الأممي ليس الأخير، فبعده وتحديداً في 10 يوليو الجاري، طالبت الأمم المتحدة ضغوطا على الحكومة الشرعية، لتراجع البنك المركزي عن قرارات قضت بنقل مقار ستة بنوك خاصة من العاصمة المختطفة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.

نزاع على السيادة

قال إيان رالبي، الرئيس التنفيذي لشركة “آي آر كونسيليوم” الاستشارية: “عندما يكون لديك سفينة تغادر منطقة متنازع عليها بشكل واضح فيما يتعلق بسيادة دولة متجهة إلى منطقة أخرى متنازع عليها السيادة، فعليك أن تبدأ في طرح الأسئلة”.

وأضاف، أن روسيا لديها تاريخ طويل في استخدام شحنات تبدو حميدة لاختبار المياه والحصول على المعلومات، بل ومحاولة تحريك الأمور في بعض الأحيان على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

في حين أن رحلة “ظفر” تشكل تطوراً مثيراً للقلق بالنسبة لمتخصصي الأمن، يقول الخبراء إنها تخلق أيضاً وضعاً محرجاً حيث وافقت آلية الأمم المتحدة على شحنة حبوب من الأراضي الأوكرانية المحتلة على الرغم من الغزو الروسي المستمر، وحقيقة أن الدول الأعضاء صوتت مراراً وتكراراً ضد تصرفات روسيا ضد جارتها.

وكانت أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عددا من القرارات ضد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، يعود تاريخها إلى عام 2014.

وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة روسيا أيضا بسحب جميع قواتها العسكرية من الأراضي الأوكرانية في أعقاب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في عام 2022.

وأوضح دانييل مارتن، الشريك في شركة المحاماة هولمان فينيويك ويلان، المتخصص في العقوبات التجارية الدولية، أن “الأمر يتلخص في دور ومهمة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش”.

شكوك وتساؤلات

قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تدعم مهمة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في تفتيش السفن المبحرة إلى الموانئ اليمنية على البحر الأحمر غير الخاضعة لسيطرة حكومة الجمهورية اليمنية لضمان الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2216.

ووصلت السفينة إلى الصليف في 30 يونيو الماضي، أي قبل يومين فقط من زيارة وفد مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً إلى موسكو في أوائل يوليو، حيث تمت مناقشة قضايا من بينها الحرب الأهلية في اليمن.

ولم يستبعد محللون أن روسيا تدفع بشحنات أسلحة متطورة إلى مليشيا الحوثي في اليمن (ذراع حليفتها إيران)، خصوصا في ظل تنفيذها هجمات ضد السفن التجارية في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، زاعمة أنها بهذه الهجمات تستهدف الاقتصاد الإسرائيلي وتسعى إلى فك الحصار على غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي بدعم الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة (والأخيرة العدو اللدود لموسكو).

ورست السفينة الروسية في ميناء الصليف الحوثي عقب آلية تفتيش أممية مشبوهة، خصوصا بعد أن أغلقت نظام التتبع الخاص بها، غير ان بيانات تتبع السفن من شركة Lloyd’s List Intelligence أظهرت فجوة في بيانات نظام تحديد الهوية التلقائي بين 13 أبريل و25 مايو.

في حين أظهرت صورة الأقمار الصناعية الملتقطة لميناء سيفاستوبول الخاضع للعقوبات سفينة مطابقة للسفينة “ظفر” راسية في محطة الحبوب أفليتا في 17 مايو 2024.

بينما تشير تحليلات صور الأقمار الصناعية إلى أن السفينة كانت راسية في الميناء المحتل في الفترة من 16 إلى 23 مايو/أيار.

وأبحرت السفينة “ظفر” عبر البحر الأحمر ووصلت إلى مرسى جيبوتي في 16 يونيو، حيث تقع آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، وبقيت راسية قبالة سواحل جيبوتي حتى 22 يونيو باستثناء فترة وجيزة في 19 يونيو، حيث رست في الميناء، قبل أن تصل ميناء الصليف في 30 يونيو.

وتغد موسكو حليفاً واضحا لطهران التي تدير العمليات العسكرية بشكل مباشر للحوثيين، وارتبطت علاقة الأخيرة بموسكو عقب انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014، ما تسبب باندلاع الحرب اندلاع الحرب في البلاد والتي لا تزال حتى اللحظة.

ولعل ما زاد العلاقة متانة بين روسيا وإيران هو صراع الأقطاب العالمية وتحديداً بين واشنطن وموسكو التي اشتد ضراوة عقب غزو الأخيرة المستمر لأوكرانيا، الأمر الذي تعتبره واشنطن يشكل تهديداً على نفوذها وحلفائها.

تعليقات