مساءُ العُقوبات الظالمة والسَّلام المَنْشُود
تلوح في الأفق خيارات متعددة لوطنٍ أدركته أوبئة الكيانات المظللة، والمليشيات الطامعة بخلود زائف ومسار متكسر ومواطنين مجردين من الكرامة والهوية، غير أن عزائم الرجال لا تزال قوية وأعلامهم خفاقة وراياتهم لم تعلن الاستسلام أبدًا، تلك الأنفة شاهد حي على مدى صلابة اليمني وقهره لكل الصخور المتناثرة بفعل حركة التاريخ ودوران الأيام، ولعلها أيام قاسية وموجعة، لكن ثمة فرجٌ سيبقى يلوح في آفاق الله أمام مواطن أنهكته المسافات التي توالت والوجوه التي جعلت منه هدفًا للانتقام والثأر.
استشهد الرئيس علي عبد الله صالح على يد مليشيا مسلحة خارجة عن كل القوانين والأعراف والقيم بعد أربعة عقود من الحكم، حكمٌ لا يمكن أن يزايد أحدٌ على وطنيته ومحاولاته الحثيثة في تثبيت الأمن والاستقرار على مستوى الداخل والخارج.
رحل صالح ليبق محل جدل الخصوم وضعاف النفوس والمحبين والمنصفين وألوا العلم والسياسة والباحثين ورجال الصحافة ومراكز الدراسات، وكذلك المتطلعين لبلد مجرد من الجهل والفقر والظلم والخرافة والاستبداد، والإمامة الرجعية والفكر البغيض، بلدٌ يحظ بمساحة من الحرية والديمقراطية والمؤسسات الثابتة التي تتبع مركزية الدولة لا الأشخاص.
اليوم يواجه الشهيد صالح وهو في قبره ونجله أحمد عقوبات ظالمة، ليس بمفردهما وانما بأمواج بشرية هائلة من الناس الذين جُبلوا على رفض الظلم والتصدي لأدواته التي قررت في لحظة استعلاء فرض سلطتها على قيادات خدمت الوطن وكانت على مسافة واحدة من الجميع، ويطمعون في أن تتوج هذه المطالب بإنهاء العقوبات بشكل كلي دون أي تأجيل.
بالأمس تابعتُ وبحرص شديد حملة عفوية تصدرها مجموعة من الشباب والناشطين ومن المواطنين حملت شعار رفع العقوبات الظالمة مطلبٌ شعبي، عبَر كلمات وعبارات مصورة بعيدة عن أي تسييس أو أجندة، كل أهدافها رفع العقوبات كاستحقاق انساني لمواطن استشهد على يد عصابة غاشمة وآخر لا يزال قيد الحياة وقيد الإقامة الجبرية منذ عشر سنوات.
جاءت الحملة لتثبت أن عملية السلام الشاملة مرهونة بتحديات عديدة منها رفع الظلم عن أسرة صالح كمدخل لحسن النوايا، وإعادة الاعتبار للمواطنة المتساوية، وترميم كثير من الخدوش التي خلفتها الصراعات والمناكفات، وتجاوز حالة الاختلال والفوضى العارمة والتخفيف من حدة الاختناقات التي أوجدتها المليشيا، ولفت أنظار المجتمع الدولي إلى القضية اليمنية لإيجاد حلول ومدخلات إيجابية تسهم في عودة الاستقرار السياسي.
كما أن الحملة جاءت لتثبت مدى الوفاء من قبل كثير من اليمنيين تجاه أسرة لم نسمع عنها سوى كل خير، ولتؤكد مدى محبة الناس للشهيد صالح والتقدير والاعتبار لأولاده الذين واجهوا عقوبات كيدية ومليشيا فاجرة وخصوم غابت عنهم الحصافة والكياسة وتدثروا بالعنف وقلة المعروف.
اليوم يمكن الجزم أن هناك ملفات حتمية يجب النظر فيها كجزء من عمليات السلام المرتقبة، وبحسب الأولوية فإن العقوبات الظالمة يجب أن ترفع بشكل عاجل دون أي حسابات أو تردد من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ودول التحالف العربي كواجب أخلاقي وانساني قبل كل شيء.
إذًا نحن بانتظار انهاء هذه القرارات لإثبات الحق وتلبية لمطالب جماهير عريضة سواء من قواعد وقيادات المؤتمر الشعبي العام أو من المواطنين الذين لطالما كانوا قريبين من الشهيد علي عبد الله صالح أثناء حكمه للبلد طيلة أكثر من ثلاثة عقود أو ممن يأملون عملية سلام حقيقية ملزمة لكافة الأطراف وناجعة في خفض الوضع الإنساني الذي اشتد بالناس ويكاد أن يهلكهم.