الطائفية في اليمن ودور الحرب والجماعات المُتطرفة في تغذيتها
نقلت الجماعات الدينية المُتطرفة في الوطن العربي حِمم الطائفية إلى أغلب المدن العربية، مُستغلة بذلك الحرية المتاحة التي كانت المنطلق لها للعبور إلى الدم والاقتتال، وإذا كانت أنظمة المماليك لا يعنيها هذا النزاع الذي يدور اليوم حولها، وما يسفر عنه اليوم، بلا شك بأن مجتمعاتها ستبدأ تتورم من هذه الحِمم والعِراك الذي يجري على مسافة قريبة من ساحاتها، قد لا تشعر هذه الأنظمة الآن بهول الكارثة، لكن هناك جيلاً كاملاً سينشأ على الكراهية والعنصرية لباقي شعوب المنطقة وهذا ما قد يجعل الصراع قائماً بين الأجيال التي ستأتي تباعاً، ما لم يضعوا حداً لاستغلال الفوضى وحالة الفراغ السياسي الذي تشهده أكثر البلدان حروب ودموية.
في بلد مثل اليمن الذي تُرك مسلوباً، من الطبيعي أن يكون فيه الخطاب الطائفي ركيزة أساسية لكل الجماعات الدينية المُتطرفة، لقد أوغلت هذه الجماعات فكرها وأيدولوجيتها إلى الأسر اليمنية الأشد فقرأ، وحولت الجو العام لفكرة عقائدية تقوم على البطنين( الولاية والخلافة) مدرستين مقسمة على أساس مذهبي، تجري فيهما التعبئة الطائفية لكل ما هو مخالف لهم، وماهي إلا سنوات وتلاميذ اليوم في ظل هذا الفراغ السياسي وغياب الدولة سيتبوؤون مراكز الخطابة والتوعية لينتجوا لنا شعب بلا هوية ووعي.
لعل في الخط الفاصل بين الماضي والحاضر، يمكن تتبع تكرار ما حذر منه الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح الذي كلما ذهبنا بعيداً عُدنا إليه، وهذا يعني أننا أمام منعطف تاريخي خطير قد يتسبب في تجريف كل الهوية الوطنية التي بات لونها اليوم باهت بل وأصبحت محصورة بين التشدد والتطرف، ولعل هذا المنحدر الخطير نتج عن قراءة بطيئة أستوحشتهُ الناس وبات الجميع اليوم يُشكلون فيه حِلم العودة لقراءة نصهِ مرة أخرى.
لا يحتاج القارئ اليمني والعربي إلى أدوات إحصائية شاملة ليجد أن أكثر التفسيرات المنتشرة حول الحرب الدائرة في اليمن هو تفسير طائفي، أي أن سبب الصراع في اليمن ومحركه هو صراع بين السنة والزيود، انطلاقاً من مقولة سائدة منذُ فوضى ٢٠١١م تدعي أن نظام الحكم في اليمن هو نظام زيدي ولذلك قامت الفوضى في ربيعها الدموي على هذا الأساس، وهو تفسير غذته جماعة الإخوان، ويُعد من المغالطات التي صدرتها الساحات للخارج وللإعلام الذي يجهل حقيقة الصراع في اليمن.
لقد عانى اليمن منذُ العام ٢٠١١م حتى العام ٢٠١٥م مأساة إنسانية صعبة وانخراط أغلب انظمة وحكومات المنطقة في الحرب الدموية التي لم تفرق بين المواطن والمقاتل، ولا بين المنزل والمترس، مما ساهم في تغذية الصراع في اليمن وإعطائها طابع طائفي وذهبت باليمن لمستنقع العراق وسوريا ولبنان بنفس الآليات والأدوات والمغامرة الغير محسوبة.
نحن هنا لا نتحدث عن الطائفية أو المذهبية كحالة فطرية متجذرة في التركيبة الإنسانية، ولكن عن ذلك التعصب الطائفي وما ينجم عنه من انحراف سياسي وأوهام وتداعيات سياسية سلبية عديدة.
مما لا شك فيه بأن الحرب والصراع في اليمن أدى إلى الفتن التي بدورها قادتنا إلى حروب داخلية عبثية، وشكلت خطراً على السلم الأهلي حيث فتحت الباب واسعاً على مصراعيه للتدخلات الأجنبية والإضرار بالمصالح الوطنية، ناهيك عن تبديد الثروات وإيقاف عجلة النهضة وتقدمها للحاق بركب الحضارة المحيطة بنا، فضلاً عن قتل وتهجير ملايين الناس وفقدانهم لممتلكاتهم، وتحويلهم إلى طابور من الموتى في بلادهم.
في بداية الحروب السته فهم صالح خطورة الوضع في اليمن، والمفاتيح التي يمكن العبور منها لإحداث فوضى وحرب طائفية في أقصى شمال البلاد ، أغلق جميع الطرق أمامهم، وعرف كيف ينقل أقدامه في حقل الألغام الذي نصبوه له، وعرف جيداً كيف يغتنم فرص النجاح ، في حين أضاع الكثير من خصومه الفرص للحاق بركب الجمهورية، مما أبقى رنين صوته يصل إلى ما وراء المجد والزمن حتى بعد رحيله، بينما تلاشت أصوات سياسيين أتوا قبلهُ وبعدهُ في رياح الخمول وكثرة الفشل.
أود أن أشير في النهاية إلى أن رائحة الدم والطائفية في اليمن مؤخراً أصبحت ضاجة بالألم الإنساني، وما ندونه هنا ليس لإيقاظ ضمائر الناس التي أماتتها الظروف المعيشية بل لتسليط الضوء على بؤرة ظلام دامس، ونقل الصورة الحية إلى الإنسان القارئ أياً كان دينهُ أو كان مذهبه.