الحج وقساوة الحياة
تبدو الحياة أقسى مما كنا نتوقع ونحن صغار، لأننا كبرنا ومعنا كبرت الأوجاع وزاد عدد الهزائم، وتوسعت المعارك حتى شارفنا على الهلاك جميعا، لذا جاء العنوان هكذا دون ادراك كامل للرابط بينهما وربما يكون استطراد عفوي فلنتجاوزه، لكنها المناسبة ومعها السقوط الذي نشهده كل يوم هما الدافع وراء العنوان.
لم تكن الحياة كذلك عندما كنا في بداية المشوار رغم العثرات، كانت مبعث مستقبل زاهر، هكذا كانت ثقتنا العمياء بها، لم نكن نعي تماما أننا سندخل دورة جديدة من الألم، وسنخوض غمار مارثون طويل من اللا عودة وضياع الأوطان.
من تسبب بهذا كله؟ سؤال بديهي أليس كذلك. ربما فكرة عابرة في عقل متعجرف أو هدف غير نبيل في مخيلة رجل دين، وربما سياسي بارع أراد اختبار ملكاته المدفونة وليتها ظلت مدفونة للأبد، وحتى لا نظلم أحد ممن سبق نقول ربما غريب حاول أن يبادل صاحب معروف فأوحى له بفكرة لم تكن مناسبة حتى حدث كل هذا وربما الأنا الضخمة من تسببت بكل هذا الانشطار.
سقطت العراق وتبعها سقوط القيمة قيمة الإنسان هويته لغته عروبته نزعته للخير وغيرته على كل ما يشاع عن الأقربون من بني عمه وعمته، تتابع السقوط حتى صرنا كومة قش تنتظر عاصفة محملة بالأمطار أو طفلا في يده عود ثقاب يحب اللعب بالنار.
وسط هذه الحشود من الأفكار والخيبات تبرز فريضة الحج أو موسم الحجيج كواحد من أهم الفروض وأكثرها نجاعة على مستوى الفكرة والظهور المهيب، يتوافد الناس من كل حدب وصوب، يأتون من قيعان ومدن مختلفة الأجناس متباينة الوجوه والعيون والأنوف واللسان، متباينة في الطول والعرض والهدف، في الرؤى والأحلام والطموحات والمآرب، لا فرق بين أعجمي ولا عربي إلا بالتقوى.
مشاهد قد تهذب النفس وتدفع بالزوار والمشتاقين إلى افتعال الروحانية والتشبث بالحياة كما هي دون زيادة أو نقصان، والتوق إلى مواصلة الحياة دون تأفف أو ملل، والإنسان على ما اعتاد.
ما هو الرابط بين الحج وقساوة الحياة وسقوط أرض العراق ومن بعدها سقوطنا جميعا، لست أدري ربما يكون السقوط نفسه هو الرابط في لحظة يشهد فيها الواقفين في مكة وجبل عرفة أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله وما دونهما أرقام وتواريخ وشخوص كان لهم كل ما للإنسان من خير وشر.
كل عام وأنتم بخير وحجا مبرور لكل من وفق في الذهاب والوصول إلى الحج، والعزاء كل العزاء لكل من سقط نتيجة خطأ لم يرتكبه في دروب الحياة، ولا عزاء للأغراب الذين أشعلوا فتيل الحرب.