فتح الطرقات.. وتحايل الحوثي
منذُ تسع سنوات وجميع المنافذ الرئيسية لمدينة تعز مغلقة من قبل ميليشيا الحوثي، وأصبح الوصول إلى مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية من جهة منطقة الحوبان شرق المدينة أمر في غاية الصعوبة، حيث تتمركز في منطقة الحوبان ميليشيا الحوثي وتطبق الخناق على المدينة كلياً، مما أجبر المسافرون سلك طرق بديلة يستغرق الوقت فيها أكثر من ست إلى سبع ساعات، بعد أن كان المواطن يقطع الطريق الرئيسية بين تعز المدينة والحوبان بوقت لا يتجاوز خمس عشرة دقيقة.
كعادتها سلبت التقارير الإخبارية وقنوات الأخبار الانتباه، وتصدرت مشاهد صور وفد الحوثي وهو يقف لجانب كومة تراب في منطقة الحوبان، فيما صفحات الجرائد الملقاة على جوانب الطرقات المغلقة، شاهد حي على تحايل وقتل وقنص الحوثي للأطفال والنساء في تعز، وعلى الأغلب ستبقى هذه المشاهد والصور والأصوات لعشرات سنين قادمة راسخة في ذاكرة اليمنيين.
انتهت الحرب ” بشكلها التقليدي” في كثير من المناطق والمدن اليمنية، الحرب التي أقصدها جبهات القتال والمعارك وأصوات سيارات الإسعاف التي تحمل الجرحى والمصابين، لكنها تظل قائمة ويمكن استئنافها في أي لحظة، ولا يعني فتح طريق على شكل مبادرة انتهاء الحرب طالما لم يتم انتزاع هذا الحق المشروع بالقوة والاخضاع.
وبالنسبة لميليشيا الحوثي وبغض النظر عن توقيت إعلانها لفتح الطرق، فإنها ترى أن فتح الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات والمدن، يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، ويخفف التكاليف في مناطق سيطرتها، وقد تؤدي هذه الخطوة من وجهة نظرها لخفض الأسعار والبضائع بسبب سهولة نقلها من وإلى صنعاء وباقي مناطق سيطرتها، والتي في نهاية الأمر ستصب في مصلحتها بالدرجة الأولى، وأنا هنا أشير إلى أن ميليشيا الحوثي لا تُقدم على أي خطوة وتبادر لها إلا إذا كان المكسب أكبر والخسارة صفر.
لقد حولت ميليشيا الحوثي أغلب مناطق اليمن إلى وجهات سفر بعد أن كانت هذه المناطق متاح الوصول إليها وزيارتها مشياً على الأقدام، أو عبر حافلات الركاب والذي لا يتجاوز فيه الوقت لأكثر من عشر دقائق، فمثلاً سوق الجملة القريب جداً من جولة القصر، أتذكر أني كنت أعبرهُ مشياً على الأقدام وإذا استدعى الأمر أستقل حافلة ركاب لمدة لا تتجاوز الخمس دقائق، واليوم يحتاج المواطن لسبع ساعات للوصول لسوق الجملة، إذاً نحن اليوم أمام مشكلة إنسانية كبيرة تستدعي التمعن في الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه.
وهنا أحب أن أًُنوه إلى أن رفع الحصار عن تعز كان بنداً رئيسياً في اتفاق “ستوكهولم” وما تلاه من اتفاقيات، ووفق النص الحرفي للاتفاق ” تفاهمات حول تعز” منها على وجه الخصوص ضرورة رفع الحصار عن المدينة، وهو قرار قبل أن يكون بنداً من قبل الدول الضامنة لعملية السلام، ووقع عليه لاحقاً في ستوكهولم وفد الشرعية ووفد الحوثي، وتضمن هذا الاتفاق أيضاً تشكيل لجان مشتركة من الطرفين وبمشاركة الأمم المتحدة، فكيف يتم الإعلان عن فتح الطرقات دون أي ضمانات؟! ومن الذي سيلزم ميليشيا الحوثي بعدم غلق الطرق مجدداً؟! إذاً نحن أمام مهزلة إن لم تكن كارثة يخطط لها الحوثي لإنقاذ مركبه من الغرق.
ولا ننسى بأن فتح الطرق الرئيسية التي أغلقها الحوثي، يجب أن لا تفتح بالكيفية التي تسعى لها الميليشيا، لأن ذلك لن يحد من دخل وسيطرة رجال الأعمال المحسوبين على الحوثي وقادة الميليشيا، ولن يكون هنالك أي تراجع اقتصادي أو عسكري يشكون منه، بل أن هذه الخطوة ستجني لهم الكثير من الأرباح، وبشكل أدق فإن فتح الطرقات هو فك الحصار الاقتصادي على الحوثي وليس رفع الحصار والمعاناة عن المواطنين.
قبل الحديث عن فتح طريق تعز-الحوبان، الحياة في تعز تبدو روتينية، السيارات تسيرُ في شارع جمال، الازدحام في باب الكبير يبدو أكثر عشوائية، والطرقات بين المباني والأسواق الشعبية توحي بأن الناس قد ملت الحرب وهي مجبورة على التعايش مع الحصار، تبدو الحرب في هذه المدينة قد وضعت أوزارها، لكنها لم تنتهِ بعد.
وبعد الحديث عن إمكانية فتح الطريق تقترب أكثر من أفواه الناس المتمتمة في الشوارع والأحياء، نرى حديثها عن “ما بعد فك الحصار” وتساؤلهم عن ” الحرب ما بعد رفع الحصار” وخوف وتوجس يتملك الجميع، يتحسسون الطريق إلى درج متهاوِ، لكن لديهم القدرة على حمل أحلامهم الثقيلة إلى منازلهم المجهورة التي هجرها الحصار.