الفكر الإيجابي.. والصعود الحضاري (الأمة العربية إنموذجاً) ..!!
إن التاريخ الحضاري الإنساني وهو يسرد لنا الكثير من حالات الصعود والنهوض الحضاري أو حالات السقوط والتراجع الحضاري للأمم ‘ يجعلنا نقف أمام حقيقة تاريخية وحضارية غاية في الأهمية ‘ وهي أن التراجع الحضاري لأي أمة من الأمم أمر وارد وممكن في كل زمان ومكان ‘ وبذلك فإن ما تعيشة الأمة العربية اليوم من حالة تراجع حضاري ليس بالأمر الجديد ‘ وليس نهاية المطاف ‘ فكل الأمم البشرية تتأرجح بين الصعود والتراجع الحضاري ‘ وبذلك فإن التراجع ليس عيباً فهناك الكثير من العوامل الطبيعية والبشرية التي تساهم في ذلك التراجع ‘ العيب الحقيقي يكمن في الاستسلام والقبول والتعايش مع ذلك التراجع ، ويتحمل قادة الفكر والرأي الكثير من المسئولية في مثل هذه الظروف ‘ وخصوصاً أولئك الذين يتبنون الترويج لثقافة اليأس والاحباط والعجز ‘ من خلال تذمرهم المستمر والمتواصل من أوضاع وحال الأمة ‘ وتركيزهم الدائم على الجوانب السلبية والخلافية ‘ بل إن الحال قد وصل بالبعض منهم للترويج والتنظير لمشاريع سياسية وتوسعية أخرى تعمل بكل قوة على هدم المقومات الحضارية للأمة العربية ‘ ولم يتوقف بهم الحال عند ذلك ‘ فهم عند كل شاردة وواردة لا يترددون من الهجوم السلبي المتواصل على الهوية والقومية العربية ‘ بهدف الانتقاص من شأنها ‘ ومن خلال إصدار التعميمات السلبية والمتشائمة ‘ كل ذلك رغم أن القومية والهوية العربية هي القاعدة الأساسية والركيزة الرئيسية لاستنهاض الفعل الحضاري العربي ‘ فالهوية والقومية هي بمثابة الدافع والمحرك الرئيسي لأي فعل حضاري ..!!
ونحن هنا لا ننكر بأن هناك سلبيات كثيرة سائدة داخل المجتمع العربي ‘ ولا ننكر بأن الأمة العربية تعيش حالة من التراجع الحضاري ‘ وحالة من التبعية السياسية والفكرية والثقافية لحضارات أخرى ‘ وهذا هو الوضع الطبيعي لأي أمة تعاني من حالة التراجع الحضاري ‘ لكن المفترض بقادة الفكر والرأي والثقافة أن لا يستسلموا لهكذا حال ‘ بل عليهم استنهاض همم الأمة الفكرية والحضارية ‘ من خلال تبني الفكر الإيجابي الذي يشجع على النهوض الحضاري ‘ ومن خلال الابتعاد عن الأفكار والدعوات السلبية والخلافات والتعصبات ‘ التي كانت وما تزال من أهم عوامل التراجع الحضاري الذي تعاني منه الأمة اليوم ‘ ومن خلال تبني الأفكار والدعوات الإيجابية الجامعة والموحدة ‘ ومن خلال صناعة الثقة بالنفس داخل كل فرد من أفراد الأمة ‘ ومن خلال مواجهة كل المشاريع التوسعية الخارجية التي تستهدف مقومات وثروات الأمة ، ومن خلال الالتفاف حول المشروع القومي العربي ‘ فلا نهضة للعرب ولا صعود حضاري للعرب إلا من خلال مشروع قومي عربي جامع ‘ ونجاح هذا الأمر يتطلب تجاوز كل الخلافات والتعصبات ‘ ويتطلب التنظير الإيجابي لمقومات وامكانيات النهوض الحضاري الذي تمتلكها الأمة العربية ‘ ومن خلال تمجيد مآثر وتاريخ القومية العربية وبطولاتها الخالدة خلال نهضتها وصعودها الحضاري الكبير خلال الحضارات العربية القديمة في جنوب وشمال الجزيرة العربية والتي استمرت ألاف السنين ‘ وخلال الخلاقة العربية بعد ظهور الإسلام والتي استمرت مئات السنين ..!!
نعم نحن نعيش حالة من التراجع الحضاري نتيجة عوامل كثيرة ‘ من أهمها تكالب الأمم الأخرى على مقدراتنا وامكانياتنا وثرواتنا كوننا نقع في موقع جغرافي متميز ‘ يحتوي على الكثير من الثروات الطبيعية ‘ ويسيطر على أهم الممرات المائية وطرق التجارة العالمية ‘ وعلي الشواطئ الدافئة ‘ ومهبط الديانات السماوية ‘ ونتيجة الخلافات العربية العربية ‘ ونتيجة التعصبات المذهبية والطائفية ‘ وغيرها ‘ لكننا في نفس الوقت نمتلك كل مقومات النهوض والصعود الحضاري ‘ وكل ما ينقصنا هو التنظير الثقافي والفكري ‘ ومواجهة حالة اليأس والاحباط والتذمر ‘ التي يقودها بعض المفكرين والمثقفين المحسوبين على العرب ‘ والتي تخدم مشاريع خارجية توسعية من مصلحتها استمرار حالة اليأس والإحباط والتذمر والخلاف بين العرب لتنفيذ أجنداتها التوسعية على حساب الأرض العربية ‘ وتحقيق مصالحها الاقتصادية على حساب الثروات العربية ‘ وتحقيق مكاسبها السياسية على حساب السيادة والكرامة العربية ..!!
ختاماً …..
من غير الممكن استنهاض الفعل الحضاري العربي ‘ ومن غير الممكن تحقيق أي صعود حضاري عربي ‘ ولا يزال هناك الكثير من العرب مثقفين ومفكرين وحتى مواطنين يستنقصون من هويتهم وقوميتهم ويهاجمونها ويزدرونها ‘ فالأمم التي تريد العلياء والصعود الحضاري ‘ على كل فرد فيها أن يفاخر بهويته وقوميته وتاريخه وتراثه وثقاقته ‘ وينتهج النقد الايجابي والهادف بدلاً من النقد السلبي الهدام ‘ ويتجاوز كل الخلافات والتعصبات الضيقة لمصلحة القومية الشاملة والجامعة ‘ وعلى الجميع الالتفاف حول المشروع القومي العربي الإيجابي الجامع ، والتخلي عن المشاريع المذهبية والطائفية والمناطقية الصغيرة ‘ وذلك لأن الصعود والنهوض الحضاري هو تراكم للإيجابية على كل المستويات الرسمية والمجتمعية والفردية ‘ كما أن التراجع الحضاري هو نتاج التراكم السلبي على كل المستويات ‘ فمن ينشد الصعود الحضاري لأمته وقوميته عليه أن يكون إيجابي في موقعه وفي أفعاله وأقواله ومواقفه وكتاباته ونقده ‘ فالإيجابية الفكرية والمنهجية والعلمية والعملية هي الطريق الوحيد لمن ينشد الصعود الحضاري لنفسه أو لمجتمعه أو لأمته ..!!