منبر حر لكل اليمنيين

جهود مميزة في “الهجرة والاغتراب في الغناء اليمني” للباحث محمد اليوسفي

67

بحث مميز وكتاب ثري يدور حول “الهجرة والاغتراب في الغناء اليمني” للباحث والدارس في المعهد العالي للفنون بالقاهرة (محمد سلطان اليوسفي) والذي تم تقسيمه إلى ثلاثة فصول: الوداع والسفر/ الحنين إلى الوطن/ الغناء والاغتراب.. اشتياقٌ دائم وحنين لا ينتهي/ وملحق بأهم الأغاني.

ثمة جهد مركز ومادة تستحق الروح أن تعرج عليها من أجل أن تستعيد ولو جزء بسيط من مشاهد وحياة الناس في الأرياف والمدن في مرحله الثمانينات على الأقل لجيل كجيلنا والتسعينيات وما قبلهما أيضا، وهي مراحل وعقود مليئة بالصور الحية التي عكستها أبيات الشعراء وأصوات المطربين وأهازيج النساء.

الكتاب الذي كان له وقفة هو وصاحبه من خلال فعالية قيمة نُظمت تحت سقف المركز الثقافي اليمني بالقاهرة مع كوكبة من المتخصصين وأوراق أرادت أن تبرز حجم الكتاب وأهمية مضمونه وفكرته، حيث شارك أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون الدكتور محمد شبانة من مصر بورقة جميلة أوضح فيها كثير من أوجه الشبه بين المجتمعات والبروفيسور نزار غانم والباحث الاستاذ محمد عبد الوكيل جازم تقديم الهام نزار.

الكتاب يأخذنا إلى عالم الغناء بنفس مختلف يعكس الصورة الذهنية والمتخيلة للآباء والأجداد وهم يرتحلون من مدينة إلى أخرى ومن وطن إلى وطن آخر وقد كان الباحث دقيقا حين فضل مفردة (الاغتراب) على (الغربة) بصورتها التقليدية لشمولية الأولى وعمقها النفسي والجسدي والروحي، وكأنه يواكب طفرة الاغتراب التي تعرض لها اليمني نتيجة لأسباب عديدة أهمها الصراع في السنوات الأخيرة.

الكتاب صادر عن “دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر” وهو من الورق الجميل والمقاس المتوسط؛ والكتاب يعد امتداد لكتب عديدة وأبحاث في هذا الجانب الذي يشكل مخزون هايل نظراً لغزارة التراث الفني اليمني الشعبي وغيره، وهناك العديد من الكتاب ممن اثروا هذا الجانب منهم الأستاذ محمد عبد الوهاب الشيباني في آخر كتبه “من هنا مر اغناء دافئا” وان كنت لم أقرا الكتاب لكن استمرار الكتابة والبحث في مواضيع علقت باليمني في مسألة الاغتراب والهجرة والقصائد التي كتبت من قبل أهم الشعراء اليمنيين من مختلف المحافظات وتم غناؤها، وهناك العديد من الأسماء الأكاديمية المعروفة والباحثين والفنانين ممن بذلوا جهودا حثيثة في التدوين والتأليف والترحال لتجميع شتات التراث.

وبقدر ما هنالك متعة في الغوص عميقا في قضايا مثل هذه ومواضيع بقدر ما هنالك جهد ذهني وبدني يبذله الباحث، ومحمد اليوسفي من خلال متابعتي له منذ مدة وهو يتنقل بين المدن ويلتقي الشخوص لعمل الحوارات العميقة التي تؤسس لمادة غنية ثرية وليست الحوارات الصحفية العابرة إلى جانب اعتماده على كثير من المراجع ومحاولة وضع بصمته بكل السبل، وهذا يعكس لنا شخصية باحثة جديدة في الساحة تعمل في هذا الحقل إلى جانب باحثين وباحثات خاضوا المغامرة نفسها بأكثر من شكل ولون؛ وهذا كله يعطينا حافز بعدم التوقف والاكتفاء واستمرار الاكتشاف لأغوار وينابيع مختلفة.
أهنئ الصديق محمد على هذا الاصدار وهو من الأشخاص الهادئين جدا والمثابرين الذين يسيرون وفي رفقتهم القلم والمسجل والكاميرا والكتاب والآلات الموسيقية وخاصة الكمان.

تعليقات