الهُدن تابوت النضال الوطني واستعادة الدولة
في صباح الثاني من أبريل من العام 2022م أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ هدنة مدتها شهران تبدأ في الثاني من نيسان/أبريل 2022م، وتنتهي في الثاني يونيو 2022م، قابلة للتمديد، هدف هذه الاتفاقية حسب ما جاء على لسان المبعوث الخاص، توفير بيئة مواتية للتوصل إلى تسوية سلمية للحرب في اليمن، ومن يومها ما زالت الهدنة قائمة من منظور الاقليم والمجتمع الدولي، لكن الهدنة من منظور ميليشيا الحوثي لا تعنيه ويرى نفسه فوق الجميع وغير ملزم بها، وتبدو الهدنة في نظره مجرد هدنة سوقية غير معني ببنودها، وبهذا يضع الحوثي التحالف والشرعية أمام خيارات صعبة، اللذان يخسران كل يوم سمعتهما ومصداقيتها وثقة الجندي المُقاوم على امتداد جبهات القتال.
وأنا هنا لا أسأل، أنا فقط أحاول أن أفهم، هل لازال اليمن وقضيته العادلة في قائمة اهتماماتكم؟ هل تذهبون للجبهات وتتفقدون جنودكم؟. وهل لا زالت صنعاء في عهدكم تتمطى صباحاً، وتنظف وجهها بصوت إذاعة الجمهورية عند الشرفات؟ وتتزين بلون الأحمر والأبيض والأسود؟
لا يمكن للهدن في ظل الوضع الراهن في اليمن، تحقيق الأهداف المرجوة منها، كما لا يمكنها أن تؤدي إلى حل سياسي شامل للصراع، بسبب تعطل مشروع السلام، أمام الاختبار القاسي لكل المساعي الإقليمية التي فشلت وأكتفت بصورة وفدها في صنعاء بجانب قتلة اليمنيين.
خلال الأشهر الماضية تابعت وقابلت العديد من الخبراء ونشطاء المجتمع المدني اليمني، جلست مع البعض منهم وتبادلنا وجهات النظر حول بعض الهدن في اليمن التي شاركوا فيها أو تابعوها عن كثب، عُدتُ تلك الليلة إلى البيت مع سؤال واحد بقى في ذهني مشغولاً، وهو ما هو الأثر الحقيقي للهدن على أرض الواقع في اليمن؟ وعندما بدأتُ بمناقشة هذا الأمر معهم في اليوم التالي، اتضح لي أن معظمهم يؤمنون بأهمية هذه الهدن مع تعارض بعض الأفكار حول الكيفية التي تُدار بها بنود الاتفاق، وأهم ما جاء في حديثهم، أن الصراع في اليمن ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، وبالتالي يمكن للصراع أن يطول أمده في ظل غياب الخيارات العسكرية، كما أن الهدن تم التوصل إليها في العديد من الصراعات حول العالم بكل أشكالها وفشلت، لأن الناس تمل من الحرب ومن غياب الدولة والفوضى والتفكك والانقسامات والانفلات الأمني ولا يمكن لها أن تتعايش مع هكذا وضع إلى الأبد، ويمكن للهدن أن تكون نواة لإيجاد حل لفترات طويلة، لكنها لن تستطيع منع الخروقات والقتل العشوائي والاعتقالات ورفع الحصار عن المدن والمحافظات، وستظل مهددة بنشوب الحرب والصراع في أي لحظة ولذا يفضل بتر هذا الخوف والتوجس من جذوره عبر حل عسكري ينهي العنف اليومي ويعيد السكينة والطمأنينة للمواطنين في ربوع الجمهورية اليمنية.
وعلى الرغم من أني أُقر بالفوائد النظرية للهدن في حال كانت قابلة للتطبيق، غير أن تحفظي عليها مبني بشكل أساسي على بعض ملاحظاتي لما يحدث على أرض الواقع، أهمها: أن ما يحدث في اليمن هي صفقات استسلام وليست هدن، وهذا أمر واضح للعيان من خلال تصريحات قادة ميليشيا الحوثي والناطق باسمهم، وكذا الخروقات المستمرة لشروط الهدن من قبل ميليشيا الحوثي التي تتم بشكل شبه يومي على أكثر من جبهة، والأمر الأهم: هو غياب وسطاء موثوق بهم لمراقبة ومتابعة جدية الالتزام ببنود الهدنة على الأرض، وآليات رصد ومتابعة مستقلة، وكذا عدم وجود تجارب هدن ناجحة يمكن العمل بها واستخدامها كنموذج تحفيز، وعدم وجود أيضاً جدية حقيقيه في إنهاء الحرب والصراع في اليمن.
قد يكون من المتوقع للقتال أن يشتد مع بدء المحادثات التحضيرية للمفاوضات التي قد يُعلن عنها في الفترة المقبلة، وهو ثمن يجعل المواطنين على استعداد لدفعه عادةً لتحقيق السلام ولو مؤقتاً، غير أن ما حدث ويحدث في اليمن هو أن المواطنين يدفعون الثمن الدموي للهدن دون تحقيق أي شيء في المقابل، وعلى الرغم من معرفة الأطراف الإقليمية للمعوقات التي تواجه تطبيق الهدن في اليمن، إلا أنهم مستمرون في الترويج لها والتعايش مع فكرتها.
ورغم الدور الهام الذي من المتوقع أن تلعبه الهدنة- كجزء أساسي في أي حل، إلا أن هذا الدور مرهون بكونه جزء من استراتيجية شاملة لإيقاف الصراع في اليمن، بالرغم من ذلك، لابد من التأكيد على ضرورة تقييم الضرر الذي يمكن أن يحدث في حال استمرارنا بالترويج الأعمى والغبي للهدن دون تقييم آثارها السلبية على الداخل اليمني، وهذا لا يعني أننا نتوقف عن محاولة إيجاد طرق أخرى لمساعدة اليمنيين، بقدر ما يعني أن نرفض مثل هذه الهدن لكونها تخديريه تؤصل المشكلة وتزيد من معاناتنا.
ولذا ينبغي أن تكون آليات وأدوات مسار الهدن مراعية للظرف السياسي الحالي في اليمن ولطبيعة المهام المطروح، والذي يمكن توصيفه بمهام المواجهة، إذ تحتاج القوى المناهضة للمشروع الحوثي لعملية مواجهة متعددة الأبعاد، تخفف قدر الإمكان من الهشاشة التي تعتري بنية أركانها ومفاصلها وتحسم الموقف باتجاه الاشكالات المؤجلة.
ولعل أبرز أهم أسباب الفشل المستمر لهذه القوى، هو عجزها عن إنتاج مؤسسة عسكرية جامعة تمثل جميع القوى المناهضة للمشروع الحوثي، وبهذا الصدد نوصي بضرورة تكوين غرف عمليات مشتركة على مستوى جميع الأطراف العسكرية على الأرض، لتكوين مواقف مشتركة ومواجهة التحديات القادمة والتي تنذر باندلاع شرارة الحرب من جديد.
بلا شك لقد تراجعت سياسات التحالف والشرعية تجاه الحسم العسكري حين دقوا مسمار ” الهدنة” في خصر القضية اليمنية، فتحولت قضية اليمن الكبير لمربع صغير جداً يكاد لا يُرى، لكن اسم اليمن في لسان وأفئدة وقلوب اليمنيين بقي يتجاوز الحدود، حدود المنطقة، وبعده حدود العالم إلى جغرافيات أخرى في مختلف أنحاء هذا الكوكب، وبمجرد أن تعرف شكل النهاية في عيون المرجفين أو توقيتها، يُصبح كل شيء عبثياً لا قيمة له.