منبر حر لكل اليمنيين

كثير من الإيرانيين لا يشعرون بالحزن على وفاة رئيسي ويعتبرونه “رمزاً للقمع”

39

تدخل إيران في مرحلة انتقالية بانتظار انتخابات من أجل اختيار رئيس يخلف الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي توفي مع سبعة مسؤولين آخرين في حادث تحطم مروحية كانوا يستقلونها في منطقة جبلية في شمال غرب البلاد خلال عودتهم من مراسم تدشين سد عند الحدود مع أذربيجان.

وفاة رئيسي يوجد أزمة جديدة في إيران خاصة وأنها جاءت وسط اضطرابات إقليمية، واستمرار العقوبات الاميركية الصارمة، فيما ينتشر السخط العام على نطاق واسع حيث يعاني الإيرانيون من أوضاع اقتصادية صعبة بحسب مقال للرأي نشرته مجلة فورين بوليسي.

ويشير الكاتب سينا توسي، وهو باحث في مركز السياسة الدولية إلى أن ردود الفعل الحقيقية على وفاة رئيسي داخل إيران، تعكس “انقسامات عبر الأيديولوجيات الاجتماعية والسياسية” وحتى الطبقات المتدينة.

ويؤكد أن العديد من الإيرانيين لا يشعرون بالحزن على وفاة رئيسي ويعتبرونه “رمزا للقمع بسبب فترة ولايته الطويلة في السلطة القضائية، وتورطه في عمليات الإعدام الجماعية لمجاهدي خلق والسجناء السياسيين اليساريين في 1988، وحتى حملته القمعية القاسية داخل السلطة القضائية”، لافتا إلى أن هناك من يناصرون رئيسي وهم من خرجوا في مواكب جنازته في تبريز وقم وطهران ومشهد.

وشهدت إيران خلال تولي رئيسي المحافظ المتشدد السلطة احتجاجات واسعة النطاق بسبب التضييق على الحريات وتفاقم الأزمة الاقتصادية، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.

وخلال سنوات رئاسته الثلاث، واجه حركة احتجاج شعبية عام 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني وأزمة اقتصادية تفاقمت بسبب العقوبات الأميركية وزيادة التوترات مع إسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر.

وانتخب رئيسي في عام 2021 خلفا للمعتدل حسن روحاني فيما كان الاقتصاد يعاني من تداعيات العقوبات الأميركية إزاء نشاطات إيران النووية.

الحشود في جنازة رئيسي سارعت وسائل الإعلام المحافظة إلى تفسيرها على أنها “شهادة على شرعية النظام السياسي، والدعم الشعبي”، معتبرين أنها تدحض وجود “منشقين” في المجتمع الإيراني، وأن “الأيديولوجيا الثورية” لم تتعرض إلى “الانحطاط الاجتماعي”.

ويقول المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، إن “الإقبال” على مراسم تأبين رئيسي، تظهر “الدعم للدولة الإيرانية”، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

ووري الرئيس الإيراني الثرى، الخميس، في مسقط رأسه مشهد حيث شارك آلاف الإيرانيين بمراسم تشييعه.

ودفن أمير عبداللهيان، وزير الخارجية الإيراني الذي كان برفقة رئيسي على متن المروحية ذاتها، الخميس أيضا، في مرقد الشاه عبد العظيم الحسني في بلدة شهر الري جنوب العاصمة، طهران.

ورفعت الحشود صورا للمتوفين وحملوا زهورا بيضاء تستخدم تقليديا في الجنازات في إيران ورافقوا النعش الذي وضع على متن شاحنة.

ويؤكد الكاتب أن الواقع الحقيقي بعيدا عن السردية الرسمية، يكشف “ترحيبا من العديد من الإيرانيين الذي عانوا من عقود من القمع الحكومي بوفاة رئيسي”، مستذكرين “الكثير من الأمهات الحزانى” على أبنائهن “بانتظار تنفيذ أحكام الأعدام” أو حتى من أعدموا في الثمانينيات وكان لرئيسي دور أساسي فيها.

وقالت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع، إن ثمانية أشخاص على الأقل لا يزالون يواجهون خطر الإعدام في إيران، في قضايا مرتبطة باحتجاجات العام 2022.

وتحث مجموعات حقوق الإنسان المجتمع الدولي على عدم غض الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها إيران بعد وفاة رئيسي الذي كان في السابق مدعيا عاما ورئيسا للسلطة القضائية، بحسب وكالة فرانس برس.

ومن هم داخل البلاد لا يستطعيون الحديث، ولكن من هم خارجها يعبرون عما يشعرون به صراحة، إذ قال حامد إسماعليون، الذي فقد زوجته وابنته عندما أسقط الجيش الإيراني طائرة الركاب الأوكرانية فوق طهران في 2020، وهو ناشط سياسي مقيم في كندا حاليا عبر منشور في منصة إكس “إن إبراهيم رئيسي كان يستحق أن يحاكم وغيره من مجرمي الحكومة الإسلامية في محاكمة عادلة لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية”.

وقال مدير منظمة “حقوق الانسان في إيران” ومقرها النروج محمود  أميري مقدم، لفرانس برس إن “إبراهيم رئيسي كان رمزا للحصانة القضائية الممنوحة للمجرمين وغياب المحاسبة الراسخ ضمن منظومة إيران”.

وأضاف “كان تنبغي ملاحقته قضائيا على الجرائم ضد الإنسانية ومحاسبته في إطار محاكمة عادلة على فظائع لا تحصى ارتكبها على مدى تلك العقود الأربعة”.

من جانبها، دانت شادي صدر، المشاركة في تأسيس مجموعة “العدالة من أجل  إيران” التي تدفع باتجاه المحاسبة على الانتهاكات الحقوقية  في إيران، التعازي الصادرة عن بعض الشخصيات الغربية بمن فيهم رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، إثر مقتل رئيسي ووزير خارجيته.

وقالت لفرانس برس إن “أفعالا كهذه يُنظَر إليها على أنها خيانة من قبل عدد لا يحصى من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، ما يعمق خيبة الأمل التي يشعر بها الشعب الإيراني حيال المجتمع الدولي”.

ويوضح الكاتب في مجلة فورين بوليسي، توسي، أنه يجب أن يُؤخَذ في عين الاعتبار “حشود السكان الإيرانيين غير المبالين” لفهم “إيران المعاصرة”، إذ تشكل هذه المجموعات نوعا من “الاحتجاج السلبي”، مرجحا أن يعود الشارع الإيراني للاحتجاجات “إذا استمر التجاهل والقمع لهذه الشرائح في المجتمع”.

ويستشهد الكاتب بما قاله عالم السياسة الأميركي، صموئيل هنتنغتون، في كتابه “النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة” إن “المعيار الرئيسي لإضفاء الطابع المؤسسي، هو ما إذا كانت المنظمة قادرة على الحفاظ على هيكلها ووظيفتها على الرغم من تغير الأفراد أو وفاتهم”، وقد جسدت “إيران حتى الآن هذا المبدأ من خلال قدرتها على الحفاظ على الحكم وسط تغييرات قيادية كبيرة في المجالات السياسية والعلمية والعسكرية”.

ويضيف أن إيران “أنشأت نظاما يضمن الإطار المؤسسي والقيادة الجماعية والاستمرارية والمرونة” من خلال إعطاء الأولوية لـ”كيفية الحكم” على “من يحكم”، وكل ذلك من خلال إطار دستوري بمبادئ توجيهية واضحة، قائمة على أساس أيديولوجي مشترك.

وأفاد مدير “مركز حقوق الإنسان في إيران” ومقره نيويورك، هادي قائمي، بأن “رئيسي كان من أعمدة نظام يسجن ويعذب ويقتل الناس لتجرّئهم على انتقاد سياسات الدولة”، وفقا لفرانس برس.

وأضاف أن “وفاته مكّنته من الإفلات من المحاسبة على جرائمه الكثيرة والفظائع التي ارتكبتها الدولة في عهده”.

وحذر قائمي من أنه في وقت يسعى المرشد الأعلى الإيراني لامتصاص الصدمة التي أحدثتها وفاة رئيسي المفاجئة في النظام، هناك خطر إطلاق حملة أمنية جديدة تستهدف المجتمع المدني.

وقال إن “المهم الآن هو ألا يسمح المجتمع الدولي لطهران باستغلال هذه اللحظة لقمع واضطهاد الشعب الإيراني”.

وتسود حالة من عدم اليقين السياسي إذ لم تتقدم بعد أي شخصية تمثل المعسكر المحافظ الحاكم حاليا، فيما يتوقع أن يفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية رسميا، في 30 مايو المقبل، على أن تبدأ الحملة الانتخابية، في 12 يونيو المقبل.

تعليقات