22 مايو.. يوم انتصر الشعب اليمني لإرادته
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ/ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا.. هكذا يقسم الشاعر ابن الرومي على عدم بيع وطنه الذي يصوره في (منزله) الصغير بمسقط رأسه، وهكذا اقسم أبناء الشعب على عدم المساومة في بيع وطنهم الموحّد، بعد أن تككلت عقود من النضالات في مختلف الساحات والمحافل، بالانتصار لاراداتهم في الثاني والعشرين من مايو 1990.
بعد ثلاثة عقود ونيف على إعلان الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990، يُجمع ملايين اليمنيين على أنها المنجز التاريخي الاعظم في تاريخ اليمن المعاصر، بعد أن عان أبناء الشعب في شطري البلاد ويلات المخططات الخارجية الانتقامية من شعب تاريخه ضارب في الأعماق.
وغالباً ما يربط اغلب المتابعون والمراقبون، وحتى اليمنيون أنفسهم الحديث عن عظمة منجزات الوحدة اليمنية التأريخي، بالنهضة التنموية والاقتصادية التي شهدتها شمالاً وجنوباً، ويغفل عنهم بدون قصد ما هو أكثر عظمة وقداسة وهو الجانب الأمني وحرية الرأي وهما الشقان اللذان كانا رائدان في حقبة الوحدة اليمنية.
من هذه الزاوية ينظر القيادي في حزب الشعب الديمقراطي “حشد” الأستاذ ناجي بابكر، إلى الوحدة اليمنية، مؤكداً “الأمن والحرية اللتان شهدتهما حقبة إعلان الوحدة اليمنية شكّلتا ركيزتان أساسيتان في بناء دولة ناجحة”.
ويضيف بابكر، وهو عضو في المكتب السياسي لحزب “حشد”: في غياب الأمن وحرية القول والعمل لا يمكن تحقيق القفزات النهضوية التنموية بمختلفها، وتوفير مناخ آمن للمستثمرين”.
مشيرا إلى أن هاتين الركيزتين فتحت أفق واسعة وآمنة للمشاركة والمنافسة في العملية السياسية، التي تطورت سريعا حيث شهدت البلاد أول انتخابات برلمانية اختار خلالها أبناء من يمثلهم عبر صناديق الاقتراع تحت إشراف دولي في العام 1993، ولاحقاً شهدت انتخابات رئاسية ومحلية لعدة فترات”.
أضف لذلك من ثمار استتباب الأمن “حرية التنقّل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وهو ما بات اليوم مفقوداً تماماً”.
صراع مسلّح
لو عدنا إلى العقود الأربعة لما قبل إعلان الوحدة اليمنية، لوجدنا أن الشطرين الشمالي والجنوبي، مرّا بأزمات عدة، طغى عليها الصراع المسلّح، وهو الصراع الذي زرع بذوره النظامين الاحتلاليين الامامي شمالاً والبريطاني جنوباً، منذ وقت مبكر، واستمرا بتغذيته حتى بعد قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963. كما أسسا لكيانات مأجورة تعمل ضد وحدة تراب الأرض والإنسان والهوية اليمنية، وهذا ما اغرق الشطرين في صراعات مسلحة ما أن تنتهي إلا اندلعت مجدداً.
وبحسب مراقبين، هذه الصراعات التي أسهمت بتغذيتها أيضاً دول شقيقة وصديقه، لاطماعها الخاصة في البلاد، مثلما هي اليوم، لو لم يكن هناك قائد حكيم وشجاع كالزعيم الشهيد علي عبدالله صالح – رئيس البلاد الأسبق- لما نجح في التعامل معها وافشل مخططاتها التآمرية، حتى تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من مايو في احلك الظروف التي يمر بها الشطرين، سيما على الصعيد الإقتصادي.
ويؤكد محللون سياسيون، أن عظمة الوحدة اليمنية تكمن في لم شتات البيت اليمني الكبير، والمساواة بين جميع أبناء الشعب أمام القانون، وحرية التعبير والانتماء السياسي.
وشهدت البلاد -على هذا الصعيد- قفزة هائلة بإعلانها تشكيل عشرات الأحزاب السياسية واصدار مئات الصحف والمجلات والنشرات الرسمية والحزبية والمستقلة.
وعلى مستوى بقية الأصعدة أسست الدولة بنية تحتية تعليمية واقتصادية وثقافية ورياضية عملاقة، علاوة على تأسيس ديمقراطية فريدة استطاع خلالها الشعب أن يختار من يمثله محليا وبرلمانيا ورئاسيا، وهي تجربة فريدة في المنطقة، باقرار الدول والمنظمات الدولية المراقبة على سيرها، وان سادها بعض الاختلالات في ولادتها إلا أنها ذابت من فترة إلى اخرى، وهذا أمر طبيعي في التجارب الجديدة.
ذلك وغيره الكثير لم يرق لكثير من دول التآمر على مستوى المنطقة والاقليم، حيث استمرت عبر اذرعها العميلة في محاولات ضرب النظام، ومع ذلك لم تنجح حتى اشعلت فتيل الفوضى الخلّاقة في ربيع 2011، الذي استهدف الأنظمة الجمهورية في المنطقة العربية.
ويشير مراقبون، إلى أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، أدرك حينها بُعد هذا المخطط الخبيث، وافشله بنقل السلطة عبر انتخابات رئاسية إلى المرشح التوافقي عبدربه منصور هادي، حرصا منه على حماية ما تحقق للشعب من منجزات ومكتسبات، ولكن شهوة الانتقام من الشعب وهذه المنجزات لدى اذرع العمالة والخيانة الخارجية لم تتوقف، رغم تضارب اهدافها مع بعض.
لم تكتمل اربع سنوات على تناحر هذه الفصائل والجماعات، تحت شعارات زائفة، إلا سرعان ما انفجرت بحقدها على نفسها والشعب وتحديداً في سبتمبر/ أيلول 2014، وأصبحت تتقاسم البلاد كغنيمة وبمباركة وحماية دولية، ما تسبب بتهجير ربع سكان البلد إلى داخله وخارجه، وتدمير بنيته التحتية وعزله عن العالم الخارجي إلا في عناوين الصحافة الدولية.
وبعد 34 عاماً من تحقيق هذا المنجز العظيم، لا تزال اذرع العمالة تطفح حقداً، وسط تخادم فيما بينها على تقاسم البلاد وتقطيعها إلى أوصال، والتعامل مع أبناء الشعب بفرز مناطقي وطائفي يثير الاسمئزاز، حد تعبير المراقبون، في محاولات من هذه الجماعات فرض رغباتها اعتقادا منها بأن ذلك سيمكّنها من سحق إرادة كل الشعب، وفق مزاعمها الزائفة.