منبر حر لكل اليمنيين

قراءة في مخاض الوحدة حتى 2011

48

كان للظروف والمتغيرات الدولية العاصفة والمزلزلة في الفترة التي سبقت إعلان الجمهورية اليمنية، والمتمثلة في انهيار المعسكر الاشتراكي في العالم ، الفضل الكبير في دفع الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة أمينه العام علي سالم البيض نحو توقيع اتفاقية الوحدة مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ..

بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح حاكم الشمال الذي له طموحات لا حدود لها ..انهيار المعسكر الاشتراكي العالمي كان الفرصة، التي قد يستحيل تكرارها إذا ضاعت، لتوحيد البلاد وإعلان الجمهورية اليمنية ولذلك حرص الرئيس صالح على عدم اضاعتها ..

وبالنسبة للحزب الاشتراكي، الحاكم في الجنوب وقتها بقيادة أمينه العام علي سالم البيض، والقريب من الإفلاس والانهيار .. الوحدة اليمنية كانت الملجأ الوحيد الذي يحميهم من الثورات الشعبية التي اكتسحت جميع الدول الاشتراكية وأعدمت حكامها علنا على القنوات التلفزيونية ..
بالنسبة للحزب الاشتراكي الوحدة كانت قارب نجاة لإنقاذ الحزب من الغرق، وفور انتهاء المد وتوقف الطوفان قرر الحزب تحطيم هذا القارب ..

أما بالنسبة لجماعة لإخوان المسلمين .. فالوحدة كانت شبح مخيف وجرس إنذار بانتهاء فترة الوئام بينهم وبين الرئيس صالح ..
فترة الوئام بين الرئيس صالح وجماعة الإخوان المسلمين، ثمانينيات القرن الماضي، فرضت نفسها كنتيجة طبيعية لاستهداف الرئيس صالح فور توليه الرئاسة من قبل الناصريين في الشمال والحزب الاشتراكي في الجنوب والجبهة في المناطق الوسطى والتي سببت احتضان الرئيس صالح للإخوان والتحالف معهم وبالتالي إشراكهم في الحكم ..
الوحدة والتعددية كانت الخطر الذي ينذر بانتهاء شهر العسل هذا ..

أكد هواجس الإخوان المسلمين انحياز الرئيس صالح التام إلى الحزب الاشتراكي في معركة الاستفتاء على دستور دولة الوحدة ..
حرصت جماعة الإخوان على عدم إتاحة الفرصة للتقارب بين الرئيس صالح و الحزب الاشتراكي ، وربما ساعدهم في ذلك أن الرئيس صالح ما كان ليتخلى عن تحالف مجرب مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل الحزب الاشتراكي خصوصا أن الحزب الاشتراكي حرص هو الآخر على دق إسفين في العلاقة بين الرئيس صالح و جماعة الإخوان المسلمين ..

الرئيس علي عبدالله صالح حاول أن يكون رمانة ميزان بين الحزب الاشتراكي وجماعة الإخوان المسلمين لكن ثقته بجماعة الإخوان كانت أكثر منها بالحزب الاشتراكي .. بسبب التجربة أولا .. و بسبب شكوكه في نوايا الحزب الاشتراكي نحو الوحدة اليمنية ونحوه هو شخصيا ثانيا ..
غذّت هذه الشكوك اضطرابات و مظاهرات 1992 التي أشعلها و قادها الحزب الاشتراكي تحت شعار (لا سنحاني بعد اليوم أين القوة يا هيثم) ..
المقصود بهيثم هو هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع وقتها ممثلا عن الحزب الاشتراكي ..
مجددا – و كما حدث بعد توليه الرئاسة حدث مرة أخرى بعد تحقيق الوحدة – دفع استهداف الحزب لشخص الرئيس صالح لإبقائه جماعة الإخوان المسلمين على مقربة منه بل وتقريبهم أكثر ..
تمثل ذلك في انتخابات 1993 التي خسرها الحزب الاشتراكي وكسبها المؤتمر الشعبي العام و نال فيها حزب الإصلاح المركز الثاني ..
غير أن تلك الانتخابات لم تغير شيئا في وضع الحزب الاشتراكي أو تنقص من حصته في الحكومة وإن كانت جماعة الإخوان كسبت الدخول في الحكومة والمشاركة في مجلس الرئاسة بمقعد من مقاعده الخمسة ..
و لتبدأ الأزمة السياسية بسفرة علي سالم البيض المطولة إلى الولايات المتحدة وعودته النهائية إلى عدن إلى أن اشتعلت الحرب صيف عام 1994 والتي خسرها الحزب الاشتراكي خلال أسابيع معدودة ..
برغم أن الجيش الجنوبي بقي تحت سيطرة الحزب ولم يندمج مع جيش الشمال وبرغم الدعم السعودي السخي لمحاولة انفصال الحزب إلا أن الحزب خسر الحرب بسرعة ..
لأن الحاضنة الشعبية لم تكن متوفرة .. ولأن الحزب الاشتراكي كان سابقا قد خسر نصف الجيش الجنوبي، متمثلا في الزمرة التي فرت إلى الشمال بعد هزيمتها إثر أحداث 1986 .. هذا النصف كان رأس الحربة في الحرب ضد انفصال الحزب الاشتراكي عام 1994 ..
انتهت محاولة الانفصال لكن مشاكل اليمن لم تنتهي .. بل بدأت ..
بعد حرب 94 وفشل محاولة الانفصال بدأت السلطة في البلد تعاني حالة طاغية من الازدواجية والفصام الذي أثر سلبا وبشكل كبير على البلد وعلى مؤسساته، وبطبيعة الحال على وحدته ..
شعبيا أصبح المؤتمر الشعبي العام و الرئيس علي عبدالله صالح الأقوى على الساحة .. لكن عسكريا وقبليا كانت جماعة الإخوان المسلمين هي صاحبة النفوذ والأيادي الطولى في كل شيء ..
بعيدا عن التنافس الحزبي والتمثيل الحكومي بين المؤتمر والإصلاح .. الرئيس علي عبدالله صالح كان يقترب من أن يكون مجرد واجهة لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين بقيادة علي محسن الأحمر .. واجهة يمكن الاستغناء عنها بسهولة في الوقت الذي تقرره الجماعة ..
و باعتقادي أن هذا كان السبب الأهم في دخول أحمد علي عبدالله صالح المعترك السياسي عام 1997 و من ثم إعادة بناء الجيش، تحت مسمى القوات الخاصة والحرس الجمهوري، بعيدا عن نفوذ جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من المشايخ القبليين ..
أحمد علي عبدالله صالح كان سبب الخلاف بين الرئيس صالح وبين جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في علي محسن وأولاد الأحمر .. نعم .. لكن ليس بسبب أحمد علي كشخص ولا بسبب مزاعم التوريث .. بل بسبب الحرس الجمهوري والقوات الخاصة .. القوة الجديدة التي بدأ الرئيس صالح ببنائها وعيّن على رأسها أقرب الناس إليه ليخرج من تحت رحمتهم ..
و لتبدأ بعدها جماعة الإخوان في بناء تحالفات سياسية جديدة، داخلية وخارجية، وتغذية الحروب في صعدة والمطالبات الانفصالية في الجنوب ونشر الاضطرابات والاختطافات والعمليات الإرهابية في أرجاء البلاد .. وصولا إلى هدم المعبد والانقلاب الشامل على النظام وعلى البلد وعلى الوحدة عام 2011.

 

تعليقات