عن سيكولوجية المليشيات الحوثية
أي مقاربة مختصرة لدراسة الظاهرة الحوثية سيكولوجيا تقودك إلى أربع محددات أساسية تتحوصل عندها الفكرة الحوثية وهي:
1- الفيد والجباية والنهب كاقتصاد غنيمة.
2- الخرافة والولاية كمنهج ومرجعية.
3- القتل والدم كسلوك وممارسة.
4- العنصرية أو السلالة كرؤية.
ومن خلال هذه المحدادت السيكولوجية المستقرة في الذهنية لمليشيات الحوثي يمكن تفسير الظاهرة تفسيرا سلوكيا أو سياسيا، ومن خلالها أيضا تؤسس الجماعة مع سبق إصرار وترصد لقطيع يؤمن بالخلافة والخرافة والولاية ويستثمرونه في جبهات القتال.
البحث في جذور الفكرة الحوثية يقودك الى النبش في التاريخ البعيد والقريب الى الهادوية في اليمن اولا التي تقمصت ثوب الزيدية لكنها كانت مفارقة تماما لمنهجها وأصولها. والى الجارودية كفرقة اشبه بالحشاشين، لكن لا يمكن ربط الحوثية كرؤية سياسية او فكرية بالزيدية الام
ويجدر هنا الإشارة أن الإمام زيد لم يكن فقيها أو صاحب مذهب فقهي ولم يكتب كتاب فقه وكل ما خلفه مسند حديث هو مسند الإمام زيد، ورغم ذلك سمي مذهب باسمه ذلك. ثم ان الزيدية” طورت نفسها فقهيا من خلال بعض الفقهاء من بعده.
لحظة الافتراق…
لعل أبرز التباين بين الهادوية التي تلبس جلباب الزيدية هو فكرة الإمامة في البطنين لم تكن عند زيد صاحب نظرية جواز تولي المفضول مع وجود الأفضل ويقصد أن علي بن أبي طالب الأفضل وأبو بكر الصديق المفضول.
وهو هنا يعترف بخلافة أبي بكر، لكن الهادي ذهب عكس التيار الزيدي الذي ابتناه زيد وقلب أصل الفكرة الزيدية رأساً على عقب وبدا الاقتراب من النهج الشيعي ثم لاحقا الخمينية السياسية، ولاية الفقيه، وهي نظرية
تطورت تاريخيا عبر التخصيب الزمني ومن رحمها جاءت الحوثية كمسخ مشوه يحمل جينات مختلفة. له مكون او حقل ذهني خاص به استطيع وضعه اختصارا بين قوسين ( فقه جارودي، وعقيدة هادوية، وارث امامي، وحقل سياسي وفكري خميني)
هذا المسخ لا يمكن فهمه إلا من تاريخه أولا ..وممارسته ومحدداته السيكولوجية الأربعة المشار إليها آنفا.
لفهم القدرة التي استطاعت الحوثية الانتقال سريعا في انقلاب سبتمبر من سوق القات إلى سوق الكراهية..وقنص الدولة،
ما حدث من انقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر جعل البعض يقرأ الظاهرة الحوثية من نافذة نفوذ القبيلة او المذهب أو من زاوية الهاشمية السياسية التي كانت قد مدت بساطها في جسد الدولة العميقة، ويحاول تفسير كيف انتقلت المليشيات من سوق القات إلى سوق الكراهية والحرب وقفزت إلى الدولة، بكل هذا اليسر، دون الحفر عميقا في الجذور والتأثر بالخمينية كقدرة ومدد وخبرة، صحيح ان رصيد الامامة يمثل مكون في الوعي الحوثي لكن ليس هو الاتجاه الذي يؤسسون له، فهم اقرب الى فكرة الجمهورية الدينية بولي او قائد على نفس التجربة الإيرانية منهم الى امام على طريقة ال حميد الدين ،
ويبقى هذا التفسير الذي ذهب إليه الكثير محل اعتبار ومعطى قابل للأخذ والرد والنقض أيضا.
خطوط مستقرة.
من خلال التفسير التاريخي والنفسي يمكن الوصول إلى خلاصة أن هذه السمات التاريخية والنفسية قد تمنح المليشيات الحوثية شيئا من الاستمرار لعقود من الزمن، لكنها لن تمنحها الاستقرار، أسوة بأسلافها، الهادوية والجارودية وحتى الخمينية اللائي يرفضهن المجتمع عبر موجات رفض أفضت في النهاية إلى الخلاص.
ربما فرصة الحوثية في البقاء لفترة أطول كونها هذه المرة وجدت آليات دولة جاهزة مكنتها من إدارة شيء من الحكم بطريقتها عن طريق الاستحواذ على السلطة وممارسة وظائف الهيمنة الأيديولوجية، أي التحكم في العديد من الآليات والأدوات، وعلى رأسها النسق التعليمي بمختلف مراحله، ونظم المعلومات والمعارف، وبيئة الحياة اليومية والتجمعات الجماهيرية، ومنظمات المجتمع المدني، لكن ذلك كله يسقط بتراكم نقاط غضب الناس والسخط الذي يبدأ قطرات حتى يفيض السيل على كل شيء.
ولن يستطيع النهر الآسن الذي حفر مجراه على الصمود، مهما رفع شعار “صامدون” وغير ذلك من شعارات، ومهما حاول اختراق بنية المجتمع وتأسيس هويات قاتلة جديدة مفارقة للهوية الأم.