انهكت الحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي ودول التحالف منذ ثلاث سنوات مئات الآلاف من الموظفين في اليمن، الذين يعانون ظروفا معيشية قاسية وفقرًا مدقعًا جراء عدم صرف رواتبهم لنحو عامين.
وتتزايد معاناة الناس وتوسعت دائرة الفقر والحاجة لدى ملايين اليمنيين، في ظل انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بالإضافة الى الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في السوق المحلية، ثمة إشكالية أخرى تفاقم معاناة المواطنين، تتمثل في ديون متراكمة على غالبية الموظفين الحكوميين، جراء توقف عملية صرف رواتبهم، في الوقت الذي تواصل ميلشيا الحوثي نهب إيرادات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها وسط ثراء فاحش لقياداتها ومشرفيها.
بدأت أزمة انقطاع صرف الرواتب بعد قرار حكومة هادي بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي إلى عدن جنوبي البلاد.
وبررت الحكومة في عدن نقل البنك المركزي بصنعاء في أغسطس/ آب العام الفائت نظرًا لأن مليشيا الحوثي نهبت الأموال واستغلتها لدفع وتجنيد مقاتلين لمحاربة القوات الحكومية، وتعهدت في الوقت ذاته بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.. لكن شيئا من ذلك لم يتم.
وبحسب تقديرات فان مئات الالاف من الموظفين مسجلون على مستوى الدولة قبل احتلال مليشيا الحوثي صنعاء في 2014، الا ان المعلومات تفيد بأن عشرات الالاف من عناصر مليشيا الحوثي عينتهم المليشيات بعد استيلائها على السلطة ضمن عمليات ممنهجة ضمن مسلسل “حوثنة مؤسسات الدولة”.
ثمة التزامات يومية اثقلت كاهل الموظف اليمني من توفير حاجيات المنزل الأساسية، الى جانب التزامات أخرى تتمثل في تكاليف الإيجار الشهري لشقق السكن.
في هذا الشأن، أكد عدد من الموظفين في اتصالات مع محرر وكالة خبر، بأنهم مطالبون بدفع ايجارات منازل السكن المتأخرة لفترة تصل في بعض الحالات إلى ستة وسبعة أشهر، فيما قام بعض اصحاب العقارات بطرد المستأجرين وحجز اثاثهم مقابا المبالغ المتبقية عليهم.
وفي المقابل، شكا عدد من ملاك العقارات والمؤجرين للشقق والمنازل، قيام مليشيا الحوثي بتهديدهم بالسجن في حال تخلفهم عن دفع الأموال لها تحت عدة مسميات من ضمنها تحصيل “إيرادات الضرائب” و”ايرادات الواجبات” ليس لشهر وانما للثلاث السنوات السابقة وتقوم بجبايتها ومصادرتها، ومطالبة صاحب العقار بالوقت ذاته بالصبر على المستأجر لشهرين او اكثر، دون ان يكترث الحوثيون لمصير الكثير من المواطنين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد في بلد يعيش حالة حرب وندرة كافة البدائل المتاحة للحصول على المال إذا لم تكن معدومة عند غالبية فئات الشعب اليمني.
وقال خبير اقتصادي لوكالة خبر، حتى لو تم صرف مرتب شهر او مرتب شهرين فان المبلغ المصروف للموظفين، لن يكون ذا قيمة تذكر، كما لن يسهم بأي حال في التخفيف ولو جزئياَ من معاناة ملايين الأسر اليمنية التي تعتمد على الراتب الشهري في الدرجة الأساس، في مواجهة متطلبات الحياة اليومية، خاصة مع الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والاستهلاكية والغاز المنزلي والمشتقات النفطية، فضلا عن تكاليف الصحة والتعليم وايجارات الشقق السكنية.
مأساة مستمرة تزداد اتساعا يوما تلو آخر، ولايوجد بصيص أمل يلوح في الافق، لوضع حل لهذا الموت البطيء الذي يعاني منه الموظفون في مؤسسات الدولة جراء انقطاع رواتبهم واستمرار طرفي الصراع بالتجاهل والتخلي عن مسؤولياتهم.