فشل المبادرات السياسية ودور الاقليم وأدواته في ذلك
ثمة إصرار إقليمي ودولي على بقاء الأزمة اليمنية دون حل، وإغراق اليمنيين في مستنقع يؤدي إلى هلاك الجميع
منذُ أن بدأت الأزمة اليمنية في العام ٢٠١١م طُرح العديد من المبادرات المحلية والاقليمية لحل الأزمة سياسياً عبر التوصل إلى صيغة تحقق التغيير السياسي المطلوب وتنقذ البلاد من جحيم الحرب الداخلية التي حذر منها الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح لآخر لحظات حياته وكان حريصاً جداً على وحدة البلاد، لكن الذي حصل هو أن جميع هذه المبادرات فشلت وبدا وكأن المطلوب هو تغليب الصراع على الحوار والحل، فالميليشيا الحوثية وبعد أن دخلت في خط المواجهة وأسقطت العاصمة صنعاء، كانت تريد الحسم ولا تريد سوى طرف معارض غبي يسمح لها بإعادة انتاج نفسها تحت حجج وذرائع عديدة، فيما الشرعية ولا سيما الإخوان التي احتضنتهم الرياض، عملوا من هناك على خلخلة مفاصل الدولة وضرب خصومهم السياسيين وإرسال احداثيات بأماكن تواجدهم والتخلص منهم إلى غير رجعة، تاركين الحوثي يمضي في مشروع إسقاط البلد حتى تمكن من كل شي، وكان الهدف من ذلك تهيئة الظروف لبناء اليمن بتحالفات إقليمية ودولية جديدة، ظناً منهم آنذاك بأن الأمور ستسير لصالحهم بمجرد التخلص من صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام ورموزه، وهذا مالم يتحقق لهم، بل ذهبت الأمور لجرف كل البلاد نحو سيناريو معقد للغاية لم يتضح للآن أي معالم للخروج منه بسلام.
وأمام فشل وإخفاقات كل المبادرات، ثمة أسئلة كثيرة تُطرح، لماذا فشلت هذه المبادرات؟ ولماذا لم يجد الحوار طريقه ليكون سيد الموقف ولغة للحل بدلاً من الحرب والقتل والدمار؟ ولماذا تمت عسكرة الأزمة اليمنية على هذا النحو الخطر؟
ولماذا الدماء اليمنية باتت رخيصة إلى هذه الدرجة من الاستهتار الذي وصلنا إليه؟ والأهم من هذا كله ما هو المطلوب أو الهدف من كل ما يجري؟ هل هو هذا التغيير الذي أرادته جماعة الإخوان؟ أم أن هذا هو تحقيق الحرية والديمقراطية والانتقال إلى مرحلة الأمل التي أتت من أجله عاصفة الحزم؟
في الواقع من يدقق في المبادرات التي طُرحت والمآل التي آلت إليها لا بد أن يقف عند عدة نقاط منها:
أولاً: ثمة إصرار إقليمي ودولي على بقاء الأزمة اليمنية دون حل، وإغراق اليمنيين في مستنقع يؤدي إلى هلاك الجميع، الشعب، والأطراف المناهضة للمشروع الحوثي، والأخرى التي تدور في فلك الإقليم والمجتمع الدولي، ليبقى الحوثي جاثماً على صدرونا، ولعل أدوات إبقاء الأزمة اليمنية مشتعلة هي تلك الجماعات المسلحة التي تحمل صفة الجهاد وترفع شعار الدين، والتي ولدت من رحم الحرب الأفغانية والصراعات الطائفية في العراق، ومن ثم عادت لليمن لتكمل ما بدأته خارج اليمن، وهي جماعات دينية متطرفة دُعمت سابقاً بأموال اقليمية واليوم يتم استخدامها في اليمن ولكن بلون سياسي، هؤلاء من تدعي ميليشيا الحوثي محاربتهم وبأن حربها مع الدواعش، وفي محصلة كل هذا فإن التحالف ومعه واشنطن يحققوا استراتيجيتهم العليا على شكل صراع ذكي في اليمن بطحن الجميع، سواء في التخلص من الجماعات الجهادية والمتطرفة التي تشكل خطراً على مصالحها، أو إسقاط الدول واضعافها وتفتيت دول بعينها والتي لها مشاريع مستقبلية. وحقيقة لا أحد يصدق أن المجتمع الدولي ومعه التحالف العربي غير قادرين على حل الأزمة اليمنية سواء بالحسم العسكري، أو عبر الحل السياسي ودفع الأطراف إلى نوع من التوافق السياسي كما حدث في ليبيا.
ثانياً: انطلاقاً من الاستراتيجية الأمريكية السابقة، ثمة دول إقليمية ارتبطت بهذه الاستراتيجية كأدوات وظيفية، وهي في مجمل سياستها انخرطت في الأزمة اليمنية بشكل مباشر وتورطت فيها مالياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً، وأصبح مجمل دورها معيقاً للحل والحوار في اليمن، وقد كان ومازال أولوية هذه الدول هو كيفية إدارة الأزمة اليمنية على الأرض عسكرياً، وليس البحث عن مخرج لليمنيين كما يروج اعلامهم.
وانطلاقاً من هذا الهدف عملت هذه الدول على الدوام على إعاقة المبادرات التي طُرحت منعاً للتوصل إلى أي حل سياسي يفضي إلى التغيير المنشود الذي ينتظره كل اليمنيين.
وفي مقابل هذا المسار انخرط حلفاء الميليشيا الحوثية الاقليميين، ولا سيما إيران في دعم الجماعة على شكل خوض معركة مصالحة استراتيجية من داخل صنعاء، وكانت أولى الخطوات ذهاب طهران والرياض إلى تفاهمات ومن ثم إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وكان الملف اليمني ومستقبل الحوثيين أحد أهم أبرز هذا الاتفاق الذي كان برعاية الصين، وعلى هذه الأرضية من الصراع والتطاحن فشلت مبادرة المبعوث الأممي، ولعل هذا ما دفع بالمراقبين إلى توقع الفشل لأي مساعي أممية أخرى في اليمن.
إن الشرعية التي أهملت الداخل اليمني منذُ بدأ الحرب في اليمن لصالح إدارة الملفات الإقليمية ومصالح دول بعينها، تجد نفسها اليوم أمام أزمة حقيقية مع الأطراف الداعمة لها التي تنادي بالتغيير في المفاهيم والبنى السياسية ووضع آليات جديدة لخوض تسوية سياسية مع ميليشيا كهنوتية أذعنت في إذلال خصومها الذي يُراد لهم اليوم الجلوس معها على طاولة واحدة.
كما أن الجماعات التي ارتبطت بالخارج ولها أجندة إيديولوجية محددة ولا سيما ” ميليشيا الحوثي” لا تقبل بالآخر ولا الحوار مع أي طرف، وإن قبلت فإن ذلك يعني بأن الأمور تسير لصالحها، وعليه ترفض ميليشيا الحوثي الحوار وتصر على إلغاءه لحسابات تتعلق بالأجندة والسياسة المطلوب منها انتاجها في المستقبل.
هذه الأسباب والعوامل المجتمعة، شكلت البيئة الحقيقية لفشل المبادرات التي طُرحت مؤخراً وباتت ترخي بثقلها على مهمة التحالف الذي بدا عاجزاً ومتواطئاً في نفس الوقت أمام ما يقوم به الحوثي وما تقدم له إيران من دعم سخي على كافة المستويات.
لقد وضع اليمن الإقليم والمجتمع الدولي والإنسانية جمعاء، أمام أخطر مرحلة تمر بها المنطقة، تكاد معها روح اليمنيين تفيض من هول ما صنعوه بهم، من أزمة أخلاقية يعيشها المتصارعين وفضيحة أخلاقية تعبر عن عجز السياسية أمام كمية الدم المُراق والأرواح التي تُزهق والبنى التحتية التي دمرت وتدمر، هذا العجز فضح الجميع، وكشف سوء نواياهم التي لا تريد الخير لهذا البلد المعطاء، ولعل هذا ما دفع بالتحالف إلى التحرك مؤخراً على شكل طرح مبادرات تمس بشرف النظام الجمهوري وقناعة اليمنيين الذين يرفضون الحوثي والإخوان وكل الجماعات المؤدلجة التي تاجرت بالبلد منذُ أكثر من عقد، خاصة مع وجود قناعة شعبية ثابته بأن إيران والتحالف العربي طرفا في الأزمة اليمنية وليسوا الحل.
إن التحدي اليوم أمام الجميع لا سيما الإقليم الذي يهرول نحو الحل السياسي وليس الحسم العسكري، يكمن في كيفية تحويل الصراع الدموي إلى نقطة مهمة ممكن الانطلاق منها نحو استعادة الدولة اليمنية وتحريرها من قبضة الحوثيين، من خلال تقديم ضمانات وآليات واضحة بعدم عرقلة أي طرف خارجي أو داخلي لأي تحرك عسكري يستعيد الدولة، غير ذلك يعد استنزاف للجميع، وانفتاح اليمن أرض وشعب ومجتمع على المجهول أكثر مما هو عليه اليوم، فالجميع على الأرض قادر على القتل وتجديد دورة العنف والصراع.