منبر حر لكل اليمنيين

العراق واليمن تحت المطرقة الإيرانية

58
منذ بداية النزاع في اليمن عام 2014 وتصاعد الأحداث فيما بعد، أصبحت إيران واحدة من القوى الإقليمية التي تحظى بالاهتمام والجدل بسبب دورها وتدخلها في الصراع اليمني. يشتمل تدخل إيران على جوانب متعددة، بما في ذلك الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية، مما يعقد من فهم هذه التدخلات ويجعلها محوراً للنقاش والتحليل.

يعد الجانب السياسي من التدخل الإيراني في اليمن أحد الجوانب البارزة، حيث تسعى إيران إلى دعم الحركات المتمردة والتمركزات التي تعارض السلطات الحكومية. فعلى سبيل المثال، تُعَدُّ جماعة الحوثيين في اليمن واحدة من الجماعات التي تحظى بدعم من إيران، والتي تعتبر ذراعا من الأذرع الموالية للنظام في إيران وطريقا لتصدير ثورتهم إلى الخليج العربي، حيث تم توثيق وصول الأسلحة والتدريبات العسكرية من إيران إلى هذه الجماعة.

من جهة أخرى، تشمل التدخلات العسكرية لإيران في اليمن دعمها للجماعات والتنظيمات المتمردة من خلال توريد الأسلحة وتقديم الخبرات العسكرية، مما يساهم في تعزيز قدرتها على التصدي والصمود في مواجهة الصراع على الأرض.

من الناحية الاقتصادية، تعمل إيران على تعزيز وجودها في اليمن من خلال الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، مما يعزز الترابط الاقتصادي بين البلدين ويجعل اليمن جزءًا من شبكة العلاقات الإيرانية في المنطقة.

مع تزايد التوترات والمخاوف من تصاعد الصراع في اليمن، يبقى السؤال حول دور إيران وتأثيرها على الأوضاع السياسية والأمنية أمرًا حيويًا للغاية. تستمر هذه العلاقة في تحليلات ودراسات مستمرة بهدف فهم العوامل والتأثيرات  التي تشكل التدخل الإيراني في اليمن بشكل أعمق.

ما يحدث في اليمن لا يختلف شكلا و مضمونا عما يحدث في العراق فالوضع عراقيا يكاد يكون مقاربا إلى حد التطابق مع الوضع في اليمن.

العلاقات بين العراق وإيران قديمة ومتنافسة، إذ تعود للعصور القديمة حيث كانت المنطقة محط أنظار أمبراطوريات متنوعة.

العراق، المعروف ببلاد ما بين النهرين، وفي مراحل التاريخ المعاصر أمسى العراق يشكل وجهة مهمة لإيران بسبب دوره في تأسيس الإسلام الشيعي ومراكز التعلم الديني مثل النجف وكربلاء.

في العصر الحديث، حاولت إيران تصدير الثورة الإسلامية للعراق، مما دفع إلى حرب طويلة مع صدام حسين في الثمانينيات. بعد سقوط صدام في 2003، استغلت إيران الفرصة لتوسيع نفوذها في العراق وتحويل العلاقات من العداء إلى التعاون شكليا بهدف السيطرة على مقدراته.

تستخدم إيران استراتيجية سياسية معقدة تشمل دعم الأحزاب الشيعية وبعض الأحزاب الكردية لتحقيق التأثير السياسي وتعزيز السيادة الشيعية في بغداد من خلال ممارسة التغيير الديموغرافي و كعزل الأقليات والمكونات الأخرى. هذه الجهود تساعد في توحيد الأحزاب الشيعية وتعزيز الحضور الإيراني في المجالات الاقتصادية والدينية والعسكرية والمعلوماتية في العراق.

تأسس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق في طهران عام 1982 وانتقل مقره إلى العراق بعد 2003، وتم تدريب وسيطرة فيلق بدر عليها من قبل إيران ومن المعروف أيضا أن فيلق بدر قد ساهم بشكل محدد في تنفيذ هجمات إلى جانب النظام الايراني خلال حرب الثمان سنوات ضد القوات العراقية، بعد 2003، انضمت الآلاف من ميليشيا بدر من إيران لتعزيز الأمن في جنوب العراق، وتم دمجهم في القوات العراقية تحت مسمى الحشد الشعبي إبان سيطرة داعش على أجزاء من العراق سنة 2014، واستمر عمار الحكيم في قيادة المجلس، وانفصلت منظمة بدر عنه لتصبح طرفاً مستقلاً.

حزب الدعوة الإسلامية تأسس في الخمسينات وحظي بدعم إيران بعد 2003، وتولى زعيمه نوري المالكي رئاسة الوزراء بدعم من المجلس الأعلى الإسلامي في العراق والتيار الصدري. لكنه استخدم منصبه لتعزيز قاعدة قوته الشخصية وحزبه. حيث تولى رئاسة الحكومة لدورتين متتاليتين.

التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، أصبح قوة سياسية هامة في العراق منذ 2003، ورغم تحالفه مع بعض الأحزاب، إلا أنه يحمل علاقة متوترة معها أحياناً، ورغم انتمائه للتيار الشيعي، إلا أنه يتبنى مواقف مستقلة ويحظى بتأييد شعبي بسبب خطابه الشعبوي.

إيران تستخدم وسائل مختلفة للتأثير في العراق، من خلال سفاراتها وقنصلياتها وتعيين سفرائها المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني. كما قدمت دعمًا ماليًا وسياسيًا لمرشحين محسوبين عليها في الانتخابات، وكذلك في تشكيل الحكومة. علاوة على ذلك، قامت بدعم وتسليح الميليشيات الموالية لها مثل فيلق بدر وجيش المهدي، وإنشاء فصائل أخرى تمثل محور الممانعة تحت مظلة ما يسمى (الحشد الشعبي) وتسهيل نشاطات جماعات مسلحة أخرى. وعلى الرغم من انخراطها في معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن هذه الجماعات ساهمت في تصاعد التوترات الطائفية وانعكاساتها السياسية والأمنية في العراق.

إيران تحاول تعزيز نفوذها في العراق من خلال العلاقات التجارية، حيث تعتبر أكبر شريك تجاري للعراق، وتوفر منتجات غذائية وسلعا استهلاكية رخيصة. ومع ذلك، هذا التأثير الاقتصادي يثير استياء العراقيين بسبب التدخلات السياسية والأثر السلبي على القطاعات الزراعية والصناعية في العراق.

وفي مجال الطاقة فإن إيران ومنذ سنوات تستغل حاجة العراق للطاقة والوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، لتبيعه الغاز المصاحب لاستخراج النفط بمبالغ خيالية وتمارس تكبيله بالديون لدرجه قطع إمدادات الغاز متى شاءت بهدف الضغط على صنع القرار في العراق وأيضا فرصة للتملص من العقوبات الدولية بالحصول على السماحات من الولايات المتحدة باستثناء العراق من بنود العقوبات على إيران دوريا ودفع مبالغ لإيران بالعملة الصعبة لتسديد ديون إمدادات الغاز.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى إيران إلى تعزيز تأثيرها الديني في العراق من خلال دعم رجال الدين وزيارات الحجاج الدينيين الإيرانيين للمقدسات الشيعية. وعلى الرغم من الجهود الإيرانية، فإن التحديات السياسية والأمنية في العراق تجعل النفوذ الإيراني متبايناً، حيث يثير التدخل الإيراني بعض الردود السلبية ويعزز في بعض الأحيان صورة إيران كقوة عسكرية مهمة في مواجهة تنظيم “داعش”.

وتعمل إيران على تعزيز نفوذها الديني في العراق عن طريق التدريب والتفضيل لرجال الدين الذين تدربوا في قم، مما يهدف إلى نشر الأيديولوجية السائدة للجمهورية الإسلامية بين الشيعة من خلال الترويج لفكرة ولاية الفقيه على وجه الخصوص. وتستثمر إيران بشكل كبير في السياحة الدينية في العراق، مما يعزز مكانتها وتأثيرها.

على الرغم من الجهود الإيرانية، إلا أن نفوذها في العراق يواجه تحديات بسبب التوترات السياسية والأمنية، والتدخلات المتعددة التي قد تثير ردود فعل سلبية من العراقيين. كما أن محاولات إيران في التأثير على السياسة العراقية تلقى ردود فعل متباينة، خصوصاً مع التحفظات من الولايات المتحدة.

على المدى الطويل، من المرجح أن تظل العلاقات بين العراق وإيران معقدة ومتنوعة، تعتمد على الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية، وعلى التوازن بين مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة.

في النهاية، وكما شاهدنا في العراق بعد مرور 2ج عامًا على تدخل إيران، تكبّد العراق خسائر هائلة من الدمار الاقتصادي والفساد السياسي. ومن المتوقع أن نشهد في اليمن مزيدًا من الفساد وانحدارا في الوضع أكثر فأكثر.

*نقلا عن موقع خبر نيوز

تعليقات