المخلافي يكتب عن: الوعي المجتمعي للأفراد ودوره في المجتمع
قراءة عميقة في علاقة الوعي بالكتابة الأدبية ونضج المؤسسات وتحقيق أهداف مشتركة
يُعَد تعزيز الوعي المجتمعي مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمؤسسات والأفراد، من خلال توفير التعليم والتثقيف والوصول إلى المعلومات، الوطنية الهادفة ليساهم الجميع في بناء مجتمع أكثر تفهماً يتيح له مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه بلاده، بالإضافة إلى ذلك يُسهل الوعي المجتمعي تشكيل رؤى مشتركة واتخاذ قرارات جماعية لصالح المجتمع، فعندما يكون للأفراد وللشعوب فهم عميق للقضايا والتحديات التي يواجهونها، يصبح بإمكانهم العمل سوياً لتحقيق الأهداف المشتركة وتطوير المجتمع وحمايته من الأفكار الهدامة، والتطرف، والمشاريع الخارجية ذات الطابع الطائفي والعقائدي.
وكان للوعي المجتمعي اليمني الذي رافق فوضى ٢٠١١م وما تلاه من أحداث أليمة جانب كبير من هذا الأثر حيث أنه أثر بشكل مباشر في حياة اليمنيين، وعبر عن كافة اشكال الحياة السياسية التي عاشها الانسان اليمني، وكان أداة للتعبير عن غضبهم وسخطهم لما آلت إليه الأمور في اليمن، وأيضاً الوعي السياسي، في مراحل التخلص من الإمامة الرجعية ومقاومتها في سبيل تحرير الوطن من هذا القمع الذى كبل الإنسان اليمني، وغيب حقوقه الإنسانية العامة والخاصة، ومنعه من تناول أمور مجتمعه ووطنه بحرية وديمقراطية، فناهض الوعي الإرهاب الفكري، على الرغم من مصادرة الإمامة الصحف، والكتابات الوطنية المُباشرة، لذلك لعب الوعي المجتمعي دور البديل عن الصحافة المُصادرة بما تملكه من أدوات تعبيرية، بحيث عبر عن رفض الشعوب العربية للاستعمار الفكري وحث على مقاومته بطرق عدة، أبرزها: المقاومة الكلامية، والندوات التوعوية، والنضال السياسي والحزبي.
وقد تعدد الوعي المجتمعي في الماضي والذي عبر عن الواقع والطموح، عن الثورة والنضال، وجاء تعبيره راصداً لواقع سياسي مرير في الكثير من الأحيان، هذه الأداة الأدبية للوعى المجتمعي والسياسي نحتاج دوره الآن بقوة للتعبير الحقيقي عن المجتمع اليمني وما يعيشه من ظلم وتهميش، مما يفتح آفاق جديدة لدى السياسيين عن أحوال المجتمع اليمني وكذا نحتاج الأعمال الأدبية التي تحاكي الواقع الذي يحيط بنا من إرهاب فكري وعقائدي ومسلح يسعى لاستكمال ما قام به الاستعمار القديم في جنوب الوطن، وكذا ما قامت به الإمامة الرجعية المتخلفة في شمال الوطن، وكما أن الدول ومؤسساتها تقضي على كافة أشكال صور الاستعمار وتتصدى له، فإنني أعتقد أن الأدب له دور كبير في بناء الوعي الجمعي ورسم مساره تحقيقاً للقضايا الوطنية المرجوة والوصول بالوطن لبر الامان.
إن الوعي المجتمعي اليمني عبر عن روح الشعب اليمني وأزماته وطموحاته في مراحل عديدة، من خلال تنوير الجماهير بحقيقة الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعيشها المواطن اليمني في الداخل، وتجسيد أزماته العامة، وتصوير كيفية الخلاص من الظلم الواقع عليه، ومن هنا يمكننا القول كان الارتباط الوثيق بين الوعي والسياسة ارتباط متين في عهد الدولة أي ما قبل عام ٢٠١١م ، حتى أصبح الوعي أداة من أدوات التعبير السياسي، الذي كان له الأثر الأبرز والكبير في تشكيل وعي كثير من الناس بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما نعيشه اليوم من ثقافة دجل وشعوذة ومصادرة للحقوق والحريات سببه غياب الدولة وتغييب ورحيل النخب والمفكرين.
وبعد رفع درجة الوعي المجتمعي السياسي والثقافي تأتى المُناداة بالحرية، والاستقلال، بمعنى آخر، تأتى مرحلة التغيير التي يجب أن ينعم بها اليمنيين بحريتهم وبمستقبلهم، وربط العمل الوطني كأداة للوعى السياسي والثقافي ما هو إلا ربط تجريدي، الهدف منه فهم عميق للأداتين، مع الاعتراف بأن الواقع لا يعرف هذا الربط مطلقاً.
ربما قادتنا قصة جماعة الإخوان التي كانت تعيش ذروة نشاطها السياسي في ظل نظام دولة الوحدة والقانون، الحديث عن أهمية الوعي المجتمعي، الذي غيابه في فترة تآمرهم على الدولة وعلى النظام الجمهوري شكل أحد أهم العناصر الرئيسية في خداع جزء من المجتمع الذي كان يجهل حينها حقيقة إصرارهم إسقاط النظام، في مشهد من أكثرِ مشاهدِ القصص المأساوية، حيث كانت هذه الجماعة تستلم الأموال وتتلقى الأجندات سراً وتبيع الوهم والشعارات الغوغائية علناً، الأمر الذي أدى في النهاية إلى اغتصاب الفكر وتحجيم قوة وفاعلية الأصوات المناهضة لهم، والذي أدى أيضا في نهاية المطاف استقدامهم للحوثي من داخل جبال مران وتسليم العاصمة صنعاء له كرهاً بصالح وانتقاما من اليمنيين.
أقف هنا في هذه القصة أمام مرايا الحياة المشروخة لدى جماعة الإخوان لأحاول أعالج فيه ازدواجية المعايير لِسُلم التحالفات الدينية، من خلال التعرض للعلاقة الغير سوية التي تنشأُ بين الجماعات الدينية المُتطرفة وأخص بالذكر ” جماعة الإخوان وميليشيا الحوثي” اللتان تحاولان تصوير العلاقة المُعقدة بينهما بمهارة دقيقة وببراعة في استجلاءِ مكنونات النفس البشرية عن طريق مونولوج داخلي، وقد أفلحوا في نظري بنقل الواقع كما هو بكل ما فيه من إسفاف وقلة مروءة.
ولذا من الضروري أن تبدي الأحزاب السياسية اهتمامها بالشباب وبقضاياهم، من خلال تفعيل دوائر الشباب، والاستعانة بالكوادر الشبابية الفعالة في الأحزاب، وتقديم لهم ورش عمل عن دورهم الحيوي في المجتمع وأهمية نشاطهم، عن طريق الاتصال المباشر والجماهيري، بالإضافة إلى دعمهم في معالجة القضايا والتحديات التي تواجههم ولا سيما البطالة والتعليم.
لم يكن هدفي هنا أن أتحدث عن طبيعة العلاقة بين الوعي المجتمعي والسياسة أو عن أشكال هذه العلاقة، وإنما الغرض أن أُسلط بعض الضوء على جانب من التواصل المثمر بين القيادات والشباب، في إطار حقبة من التاريخ اليمني، والذي يمكن إسقاط صورته على بعض جوانب الحياة الحاضرة، وتجسيده بوصفه تجربة من التجارب الغنية من حيث انعكاساتها على الحركة الفكرية في عمومها، والنظر في إمكانية الاستفادة من هذه التجربة في إحداث تغيير إيجابي بواقعنا اليمني الراهن، أو التخفيف مما يواجهه هذا الواقع من أزمات سياسية وصراعات فكرية ومناطقية، حيث أن نمط العلاقة بين الوعي والسياسة في حقبة نظام ودولة الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، كان باعثاً على النهوض بالوعي الأدبي والفكري وحتى على السياسة نفسها. ولاشك أن النهوض بذلك مرة أخرى يمكن أن يكون طريقاً من الطرق التي ستقود اليمنيين إلى مسار أفضل ينهي الصراع ويقضي على الفكر الأيديولوجي الذي حرف مسار الأهداف الوطنية ولوث الفكر وشوه الاعتدال.
وأخيراً، ومهما يكن فسيظل للكلمة دورها الفاعل في حياة اليمنيين، وسيظل السياسي اليمني بحاجة إلى نشر الوعي وقراءة الأدب لإثراء روحه وإنسانيته، وستبقى الكلمة الجادة الممتلئة بالروح وبالثورة والنضال منارة تقود اليمنيين إلى مستقبل أفضل وإلى حياة أكثر أمان واستقرار.