“يمن المستقبل” في حوار خاص مع المهندس والباحث حسين بن سعد العبيدي
حين عقدت العزم على عمل حوار مع مهندس نفط ابن بيئة صحراوية، تخرج من الولايات المتحدة الأمريكية تبادرت إلى ذهني عشرات الأسئلة، فأنا اعتدت على عمل حوارات مع شخصيات من الوسط الثقافي والسياسي والأدبي أيضًا ولم يسبق لي أن خضت عالم النفط، وأنا على يقين أن الحوار سيكون ذا قيمة لما تضمنه من قضايا واضافة جيدة، وسوف يجد الصدى المأمول وإن طال قليلًا.
لكن لا بد من التأكيد أنني وجدت نفسي أمام شخصية، تمتلك طاقة إيجابية عالية في ظل ظروف غاية في التعقيد، ولم يكن النفط هاجسها الوحيد ومصدر حركتها رغم انتمائها لمحافظة مأرب، فهناك شغف في التعاطي مع السياسة والتحليل وممارسة الكتابة والبحث في جوانب متعددة بما فيها البيئة، بمعنى أنك أمام مهندس متنوع قادر على التواجد والحضور من خلال العديد من المقاربات والمكاشفة، ومواجهة التحديات بشجاعة لمعالجة التعقيدات، وتجاوز الابتزاز الذي تتعرض له البلد من قبل أطراف عديدة تعيش بعيدًا عن تطلعات وأحلام اليمنيين.
حسين بن سعد العبيدي تعرفت عليه منذ فترة وتوثَّقتْ علاقتنا بلقاءات عابرة وقراءة المقالات وبعض الدراسات التي قدمها من خلال مركز (مداري)، إضافة إلى مصداقيته في الطرح وتعامله الراقي وأخلاقه الكريمة، فهو شخصية عنيدة لا تعرف الاستسلام، خصال كثيرة دفعتني لعمل حوار معه وقد استجاب كرمًا ومحبة.
لم تشغلني كثيرًا فكرة المجتمع الجديد بقدر شغفي للاطلاع والمعرفة
**أستاذ حسين بداية دعني أسألك عن رحلتك الدراسية إلى أرض الأحلام أمريكا أقصى دولة ممكن أن يصل إليها يمني، سواء طلبًا للعلم أو طلبا للرزق، كيف وجدتها وأنت القادم من مجتمع تقليدي؟
* حقيقة أن شخص لدي شغف للمعرفة وحب الاطلاع والقراءة وبناء علاقات، ولم اشغل نفسي في فكرة المجتمع الجديد لأنه بالضرورة أنت أمام خيارات حتمية الدراسة المعرفة والتكيف الأمر لا يحتاج لقرار بقدر ما هو أمر أساسي، قد يكون هناك قليل من التوجس وأنا القادم من اليمن، لذا وبدلًا من أن أجهد نفسي في التكيف، وجدت هذا المجتمع يحمل ويقتني جميع أنواع الأسلحة، فلم أتغير وفي أوقات الفراغ اهتم بالدراسة والثقافة من الآخرين، منذ الشهر الاول للدراسة اندمجت، كانت الدراسة تأخذ جل وقتي، نظراً لأن تخصصي في الهندسة النفطية، فكان لا بد أن أحرص على التحصيل كهدف أول، لأنني كنت مرشح من قبل رئيس الجمهورية كواحد من دفعة تم ابتعاثهم للدراسة في أحد اعرق الجامعات في العالم تخصص هندسة بترول، واحط في أكبر الحواضر فلابد أن أكون على قدر الثقة سريع التكييف، استغليت وقتي في كسب المعارف، وعندما عدت لبلدي استفدت كثيرا من مهاراتي، واستطعت المنافسة على المواقع في جميع الأعمال المتصلة، ولأنني كنت في بلد صحراوي فقد قدمت أنموذجًا لتطبيق كل معارفي وحيازة ثقةً المسؤولين والزملاء.
كما أن المدينة التي درست فيها، (تولسا) بولاية أوكلاهوما الأمريكية كان يطلق عليها عاصمة البترول في العالم خلال السبعينات والثمانينات، لأنها تحتوي على ثاني جامعة بترول على مستوى أمريكا والتي درست فيها، وكان معظم الشركات النفطية في العالم تتواجد فيها، حتى انني كنت أعيش خلال دراستي بقدمين قدم في الجامعة وقدم في المكتبات العلمية. ولم أدخر وقتاً أو جهداً بالتعارف مع المجتمع الأمريكي الأليف، والذي يمتاز بأن يتركك لشأنك إلا إذا أحببت الاقتراب، حينها هم يدفعونك إلى الاندماج السريع في جماعاتهم الطلابية والمجتمعية، فكنت استمتع بالاقتراب منهم والاستفادة من عاداتهم وتقاليدهم، وكنت محتاج لتطوير اللغة وتبادل الزيارات والمشاركة في الفعاليات، وقد اتيح لي التعرف على العديد من اليمنين وكنت أزورهم واتناول الوجبات التقليدية، التي كنت افتقدها كثيراً، ونتحدث عن الوطن وتتبادل المعلومات.
المجتمع لا يعترف بالمهارة والتخصص ما لم تخوض غمار السياسة
** لماذا تفضل صفة المهندس رغم أنك تمردت على هذا التخصص وتجاوزته إلى الكتاب والبحث؟ وهل تشعر أن الأحداث ظلمتك حين دفعت بك إلى هذه المربعات بعيدًا عن تخصصك الرئيس أم أن العملية تكاملية وأنت مهيأ للعمل في كل الظروف؟؟
* اليمني سواء كان مهندساً أو طبيباً ، ولديه مهاراته، فإن المجتمع لا يعترف بمهاراته إلا إذا كنت جزءًا من القالب السياسي، وهذا عكس ما هو موجود في أمريكا، المهندس الماهر لا يهتمون بحزبه أو توجهه السياسي بقدر مهنته، وأفضل صفة المهندس لأنها تمثل حافزًا اجتماعيا مهمًا بين بني قومي والدولة، وكمهندس بترول خريج أمريكا أحظى بالبريستيج والاهتمام بحكم ارتباطي وكأحد المهندسين البدو القادم من بلاد سام، الذين ينظرون إلى اليمنيين أو غيري كأيقونة هندسية مثارًا للسؤال والاستفسار عن حياتي في مجالسي البدوية، فإنني دائمًا كنت أتعرض لأسئلة كثيرة من الناس اليمنيين والفنيين الاجانب حول حبي لمهنة الهندسة، وماهي الظروف التي عشت فيها وحظيت بثقة البلد، لأن أسرتي ذات رصيد وطني في مقارعة الإمامة ومحاربة الاستعمار، وكنت احظى بالثقة لحل أي مشاكل تعترضني وكنت من أوائل مهندسي البترول من مأرب بالتوظيف في شركة أمريكية.
لم أكن أتوقع أن أمارس السياسة في مجتمعي بقدر ما حافظت على تخصصي، إلا انني شاركت وبما لا يتعارض مع انشغالي بالعمل الرئيسي، دائماً السياسيين لا يعترفون بأن تكون ماهراً في عملك ومشاركاً في العمل السياسي والاجتماعي، وكنت أواجه صعوبات وكانوا دائما يحاربونني ويضعون أمامي خيارات للتفرغ للعمل السياسي، ولهذا كان عملي المهني وراتبي عرضة للابتزاز، والتوقيف من وقت لآخر، وخاصة بعدما دخلت البلد في الصراع والحروب الاهلية، حتى كنت اشعر بالخطر على سلامتي الشخصية وهذا كان دائما يعرضني للملاحقة والتهديد، وحرماني بتعريض مناصبي الوظيفية، كما أنه كوني خريج أمريكا فإن ذلك كان يعمل لي حساسية، وكنت أجد نفسي أمام خصومة لسبب أو بدون، خاصة أمام شخصيات أيديولوجية متطرفة بمقابل كادر تخرج من أمريكا.
لدي تجربة صعبة في العمل الإداري والميداني مليئة بالضغوطات، وكذلك العمل في مجال الحفاظ على البيئة
** مهندس حسين أدرك أن لديك سيرة ذاتية ممتلئة والسؤال هنا أين موقعك اليوم في مأرب المليئة بآبار النفط كونك خريج أمريكا تخصص هندسة نفط ومن الكوادر القليلة؟
* الحقيقة أن منطقة مأرب وما جاورها محدودة الإيراد والعمل والانتاج بسبب اختلال الوضع الأمني والسياسي وفي اليمن عمومًا، ومأرب خصوصاً كونها منطقة نفطية وجغرافية هامة، فإذا كنت أمارس السياسة إلى جانب هذا العمل المحدود، فإن كتاباتي ومعارضتي لأنشطة الفساد والشللية يجعلني شخصًا مهمشًا ويخضع رصيدي الوظيفي والمهني والاجتماعي إلى المقاربات أو بالأصح المحاربة وتعقيد نشاطي ومعيشتي، ولذلك فإنني لا زلت صلبًا في مواجهة هذه الحسابات، ولم انسحب مطلقاً لأن مصدر إيماني أن أعيش لوطني وأمنع المخربين من تدمير المقدرات، وعلى سبيل المثال وفي اطار ثقة القيادة الحاكمة لصنعاء فقد صدر لي قرار بتعييني مديراً عاماً تنفيذياً لأكبر شركة وطنية نفطية في اليمن، صافر، وقد أثبت جدارتي حتى كثرت الضغوطات السياسية بالرغم من أن هذه الوظيفة تعني شئياً كبيراً، إلا أنني رفضت تلك الصفقات المرتبطة بالفساد وقدمت استقالتي حفاظًا على مهنيتي ولرفض شراء ذمتي بمنصب، وعدت أمارس عملي مديراً لإحدى الإدارات الهامة بالحقول في شركة صافر رافضًا تلك الاغراءات.
** قرأت ضمن سيرتك الذاتية اهتمامات في البيئة في مدينة مأرب وهي حقيقة جانب مهم ربما يغفل عنه الكثير ما هو محور الاهتمام البيئي في محافظة مأرب الذي سعيت من أجله؟
* هذا النشاط في حماية البيئة وبحكم وجودي في نطاق صحراوي كثير المشاكل البيئية وانعدام البنى التحتية، وتعرض الإنتاج والنشاط الزراعي والمائي إلى العشوائية، فقد قررت في 2001م تصميم بعض المشاريع البيئية وعمل نماذج والمشاركة في تأسيس جمعية لحماية البيئة، واستقطبت بعض الدعم الخارجي، وأسست جمعية (ابراد) كأول جمعية مختصة بحماية البيئة في المحافظة فكانت منارًا ومركزًا تأهيليًا لأبناء محافظتي من طلاب وشباب ونساء وبعض القيادات الوظيفية والتعليمية، لتصل خير وخبرات المانحين في عمل وتنفيذ مشاريع حماية البيئة وتمكنت خلال تلك الفترة من المشاركة في انشاء علاقات مع منظمات المجتمع المدني، وتم عقد عدة ندوات ولأول مرة بحضور قيادات من وزارة البيئة والهيئة العامة لحماية البيئة والمجالس المحلية، وغيرها من المؤسسات والخبراء من الجامعات لتقديم أوراق عمل وورش بالتنسيق مع الجمعية حول اهتمامات وتحديات البيئة والسياحة وغيرها.
** وهل لديكم أفكار عامة في هذا الجانب فيما يخص البيئة اليمنية عمومًا في ظل الملوثات المنتشرة؟
في الظروف الحالية التي يمر بها اليمن منذ 2011م هناك صعوبات في اقناع المانحين دعم البيئة واستعادة المشاريع، حيث اختفى المانحين وذهبت المعونات للسياسيين والشلل الحزبية على حساب البيئة، والظروف الأمنية التي تمنع التجمع، لكن نحن منذ عامين نتبنى عدد من المبادرات تحت مظلة مركز (مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية) والذي أسسته منذ خمسة أعوام، تحديدًا في مارس 2019م ، وتم استقطاب بعض الخبراء المحلين والاكاديميين والاستشاريين من الجامعات والمؤسسات العلمية لإعداد مقترحات، والبحث عن تمويل لها حسب الظروف، والمركز على وشك اصدار بحث حول ظاهرة التصحر واخطارها وكيفية مواجهة هذه التحديات، كما قمت بمواجهة بعض الشركات النفطية التي كانت تلوث البيئة مثل شركة هنت، وتم رفع دعاوا إلى المنظمات الدولية للحصول على التعويض المناسب بسبب الأضرار التي لحقت بالمنطقة، وفي القضاء البريطاني بعد انتهاء عقد الشركة، وحصلت اليمن على تعويض، ونحن بالمرصاد أمام أي جهة تلوث البيئة وتستغل غياب الرقابة، لأن البيئة نشاط مختفي ومن الصعب تداركه إلا بالمراقبة المباشرة، ووجود الجمعيات المتخصصة التي تحشد وتبلغ أول بأول عن أي ملوثات غازية أو نفايات نفطية، حيث لا زالت بعض الشركات النفطية في مأرب تمارس نشاطاً تدميريًا والانسان بعيدًا عن الرقابة الحكومية والإقليمية، والمركز يضع نصب عينيه هذه التوجهات، ونحن بانتظار توقف الاختلالات الأمنية والفساد، والمركز والجمعية يسيرون في هذا الاطار.
الوطن والقومية والانبهار الحضاري ثالوث يحتاج لثقافة عالية
** لدي سؤال من شقين يشغل بالي الأول روحك الوطنية التي تظهر بها في ظل وجود مشاريع صغيرة ألا ترى أنك تبالغ، فيما آخرين أصبح لديهم أوطانهم المحدودة وهواجسهم المختلفة.
**السؤال الثاني مختلف تماما يخص الانبهار بالحضارة الغربية أرى الكثير منساق نحوها عكس المهندس حسين رغم دراسته في مجتمع غربي، لا يزال يحمل قضايا قومية في كتاباته وأحاديثه ألم تؤثر فيك النظريات والتكنولوجيا والتقدم العلمي والبيئة الغربية والقرية الكونية وحوار الحضارات؟
* حقيقة لا توجد مثالية في العمل الوطني، أنت أمام خيارين يا ابيض يا اسود؛ بمعنى أننا بحاجة لأن نكون جزء من التغيير قولًا وفعلًا، هذه المسألة لا تحتاج لمواربة أو تمويه ولا حتى جدل عقيم، خاصة في هذه الظروف، الأمر يتطلب جهود حثيثة ونزعة وطنية خالصة، نحن اليوم أمام تركة ثقيلة من النزاعات والصراع، وحتى الجهل بماهية المستقبل والكيفية التي يجب أن يكون عليها البلد، وهذه من أهم النقاط المحورية التي يجب أن تصل إلى كل فرد لديه طموح وتطلع لفعل التغيير وانتشال الواقع من هذه الانقسامات التي تأتي على حساب الجغرافيا الواحدة بمفهومها الواسع، بمعنى أن مفردات الوطن والقومية بمفاهيمها الواسعة والانبهار الحضاري أيضا ثالوث يحتاج لثقافة عالية.
وهنا دعني أنطلق من مركز مداري الذي حققنا من خلاله العديد من النجاحات المحلية والإقليمية، وعمله يأتي في اطار سؤالك المهم، فقد غطينا كثير من المشاريع والتقارير والبحوث رغم أنه مؤسسة مستقلة ومحايدة وغير ربحية، نعتمد في مواردنا الشخصية والموارد الداعمة من المنظمات الإقليمية، والأرصدة ليست هدف والمال دائما وسيلة للعبور، ونحن نعتز بأننا ما نزال في وضع ومرحلة عمرية تسمح لنا بأن نطمح لتحقيق الإنتاج الوطني ذات الفوائد المباشرة للبلد، ونستطيع أن نشرك المجتمع السياسي والحزبي ونجمعهم للعمل الاستثماري بوجود الموارد والمشاركة في تشغيل الايادي العاملة في محافظة مأرب، وفتح الاستثمار وتحفيز القيادات الفنية والحصول على موارد مالية مباشرة وعندها سيهب المجتمع بكل فئاته ونخبه الفنية والمهمشة والذين لا يجدون عملا، بالاندماج مع مركز مداري والمنظمات الأخرى لبناء القدرات والمساهمة في استعادة الرخاء وخاصة وأننا متواجدون في محيط استثمار النفط والغاز والثروة المعدنية، فإننا سنجد الفرص المتعددة لرفع المستوى المعيشي لأبناء المحافظة واليمن عموماً.
* بالنسبة لمسألة الانبهار ربما تأخذ بُعدين أولًا من خلال القراءة ثانيًا من خلال الاحتكاك المباشر، لكن في الحالتين أنت أمام اختبار مفتوح ويمكن لك أن تحدد شكل هذا الانبهار وكيفية التعامل معه، سواء من خلال النظريات أو الأفكار أو العادات والتقاليد وحتى السياسات، وكل ما ذكرت هي مفاهيم واسعة تحتاج لترتيب، لكن دعني أبدأ من حياتي المتواصلة في منطقة مأرب، ذات الأصول البدوية والتاريخية إلا أنني لا زلت استنشق نكهة دراستي في الولايات المتحدة، ولذلك لن تستغرب أن تجدني اقود السيارة وانا البس ربطة العنق أكثر من الثوب العربي، وهذا يدل على أنني أومن بمبدأ التغيير والتواجد في البيئات الاوربية والأميركية والإقليمية العربية والخليجية، وهذا فقط مجرد مثال طفيف وليس بالضرورة الإجابة الكاملة لسؤالك عن الانبهار، لكن حماسي ونشاطي القومي نابع من تأثري بالبيئة التي انتقلت منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، وتعد مرحلة المراهقة من أهم مراحل تكويني القومي بحيث كنت من المتحمسين للنشاط القومي والعروبي، وكوني عربي ومناصراً لقضايا التحرر ومكافحة أعداء القومية والنشاط المعادي للاستعمار، ولهذا كنت في زمن البعث العربي في العراق وسوريا ومناصرتي لحركة النضال الفلسطيني، ولم ولن اتخلى في مفاهيم الصداقة مع الدول الخليجية والعربية وكنت كثير الزيارات لأصدقائي في الخليج والامارات والسعودية ولم يمنعني ذلك، كما أنني انتسابًا إلى عقيدتي الإسلامية التي تومن بالانفتاح وعدم التقوقع والتطرف، هذا يدفعني مع الشخصيات والافراد ذات الخلفية الامريكية والاوربية والعمل المباشر لما يحقق تطوير مجتمعي وبلدي، وأنا اتأسى دائماً لتلك الفرقة التي ينشرها المتطرفين العقائديين والدينين والسياسيين، وأن اليمن ضحية ذلك التطرف عندما يحولون المساجد ودور العبادة ومراكز تحفيظ القران الى متارس ومنشآت عقائدية مقيتة، والتعامل مع منظمات وكيانات متعصبة لروح الإسلام، ومتعصبة ضد النشاط القومي، كما أنني أومن بأن للعرب تاريخاً للتعامل بصدق والصرامة وبتبادل المنافع مع الآخر، والعامل في سبيل تحسين المعيشة وتوفير المناخ الحر أمام الشعب اليمني وانطلاقته نحو التعليم وزيادة الإنتاج وإعطاء الفرصة للشباب والقبائل في تسيير عملية التنمية وتحقيق السلام، نحن نؤمن بالقران والإسلام والكتب السماوية والكثير يدخلون الإسلام بسبب اكتشافهم أن مؤلفات الإسلام وهذه الكتب من حضارة العرب بسبب التقدم والمنهج العلمي المنفتح، الذي انتهجته الحركات والفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى فرنسا واسبانيا والصين وغيرها، والدارسون في الغرب يرحلون الى اسبانيا لدراسة فلسفة الإسلام والعرب، كل هذا يغري الطلبة والالتقاء بالأساتذة الذين كانوا ينشرون العلم والمعرفة، ولهذا فإن المؤشرات حول اعتناق الإسلام والذين يتحولون الى مواهب من نور فالعربي والمسلم الحقيقي يكون أكثر انفتاحاً على اقرانه من الديانات والقوميات، فلذلك ابدع المسلمون والعرب في أوروبا ولا زالوا واستعان بهم الغرب للوصول للمعارف في التطور والبناء والنهوض.
مركز مداري الرؤية والتغيير والاجتهاد للوصول إل الهدف
** لو طلبت منك إجابة غير مثالية فيما يخص مركز مداري أراك تكرس كل جهودك ووقتك للنهوض بالواقع واستقراء المستقبل السياسي من خلال ابحاث مستفيضة هل تؤمن بأنك قادر على فعل التغيير في ظل هذه الظروف؟.
* أولًا لإنجاح هذا المشروع نحتاج إلى امكانيات تشغيلية، فهناك أهداف فعالة يجب أن تحدد، وكلما كانت المشروعات صغيرة الحجم، كلما امتلك المركز فعالية التنفيذ بكوادره النموذجية، برأيي لابد من توفر ثلاثة عوامل أولًا: الكادر البشري الاستشاري المؤهل، ثانيُا: الموارد المالية والمساعدات اللوجستية ودعم السلطة، ثالثًا: تمويل التحركات ودفع الكوادر البشرية نحو الانتاج والإبداع، واذا حللنا كقيادة لمركز مداري نستطيع الإشارة إلى توفر حالياً جزيئات محدودة نستطيع التحرك بها، لكننا نعرف اننا سنصل إلى ذروة العمل ثم تنتهي مواردنا ونبدأ مرحلة اختصار النجاحات التي حققناها.
** الاستقلالية في الطرح وعدم الاتكاء إلى جهة معينة هل تراه مجديا لك كباحث وسياسي ورجل دولة في ظل تكتلات واسعة ومراكز موجَّهة؟.
* بالرغم من العوائق التي تعترضنا حالياً وفي المستقبل، إلا أننا على يقين من أن بيئة الجغرافيا التي نعمل عليها مناسبة للعمل باستقلالية، وبحكم تواجدنا في بلادنا، فإننا نمتلك مقومات التحرك، لأن البيئة المحيطة بمركز مداري بمأرب تؤهله بأن يبقى مستقلاً، اعمل منذ خمسة أعوام في المركز، ولا تزال لدي الظروف التي يمكن أن تدفعني للنجاح، بدون دعم خارجي مطلق أو من أي جهة، ونحن حريصين على أن لا نقتحم تكتلات يمكن أن تهزمنا في أوج النجاح، ولهذا نعمل بكوادر محلية لا تتذمر من حجم المقابل فهي تؤمن بأن المركز مأمون وبعيد عن المغامرة.
دور الإعلام المناهض لمليشيا لحوثي
** لو سألتك وباختصار هل أنت راض عن دور الإعلام المناهض لمليشيا الحوثي الحريص على وحدة الوطن وعلى مستقبل أجياله مقابل ما يجري من تجريف وتزييف وتخندق مخيف؟
لا شك أن الإعلام هو السلطة الرابعة، إلا أنه لم يودي رسالته كما يجب خلال فترة الصراع والحرب الدائرة في اليمن، وقد تخندق في متارس الأحزاب والنخب وأمراء الحرب الذين يسيطرون ويهيمنون على كل شيء بما فيها الموارد المالية، ولم يبرز الإعلام المهني الذي نطمح إليه، الحامل لقضايا مصيرية يؤدي دورًا ايجابي في خدمة السلام والاستقرار الذي تحتاجه اليمن بعد دورات العنف والصراع التي أوصلت البلاد إلي أسوأ كارثه إنسانية في العالم، أما فيما يخص الدور الاعلامي المناهض لجماعة الحوثي ضعيف، وهذا انعكاس للدور السياسي للمليشيات الحوثية نفسها، التي اغلقت كل الحلول وتلاعبت بمصالح اليمنيين، ومارست انتهاك للواقع السياسي والاجتماعي، وأصبحت تهدد الوحدة الوطنية، لذلك فإن الاعلام المناهض يدرك الخطر الرئيسي الذي ترتب على ما أصبحت تقوم به المليشيات من سياسات خطيرة تصب في خانة تدمير كل شيء مرتبط باليمن واليمنيين وهو يحتاج إلى استقرار سياسي كي يؤدي رسالته الكاملة وإلى قيادة إعلامية متمكنة تعي معنى الصراع وحجم المسؤولية.
مستقبل اليمن ومأرب والمؤتمر الشعبي
** كان نفسي أسألك عن مستقبل اليمن لكن أجده سؤال معقد قليلا، إنما دعني أسأل عن مستقبل مأرب المحافظة التي تحمل أهمية جغرافية وسياسية واقتصادية؟ إضافة إلى كون جزء كبير منها واقع تحت يد مليشيا الحوثي كيف يمكن قراءة هذه التوليفة والتعقيدات؟.
* بخصوص مستقبل اليمن اتفق معك بأن الوضع يتجه لمزيد من التعقيد وتجذر صراع وثأر سياسي لن يتخطاه اليمن بسهولة في العقود القادمة، فمشكلة اليمن لا زالت تراوح مكانها من الانقسامات والتجاذبات والاستقطابات الحادة سياسياً واجتماعياً وعسكريًا وقبليا، لأن اليمنيين ما زالوا يعيشون صراع ونكسة (الربيع العربي) حتى اليوم، ولا تريد أطراف الصراع مغادرة هذا المربع، كما أنني أجزم أن من يدير الصراع في اليمن من غرفة واحدة وباتفاق مسبق لاستدامته أكثر، وتفتيت البلد والوصول بنا إلى حالة من الانقسام والتفكك الخطير، وخلق واقع لن يقبل به اليمنيين، ولكنني اثق في أن هناك طرفاً سياسي ثالث سيعود للساحة وبقوة وسيظهر في القريب العاجل وهذا الطرف قد يكون في مكون وحزب المؤتمر الشعبي العام والذي سيملي شروطه على كل الاطراف.
كما اتوقع أنه في حال عودة المؤتمر من جديد سيتحرك المجتمع اليمني للوقوف خلفه، فالمؤتمر بفكره السياسي لا يحتاج إلى قوات مسلحة، لأنه يحمل رديفاً اجتماعياً وشعبيا وسياسياً كبيرًا، يؤهله لإعادة الاستقرار والسلام، وستخضع كل قوى الصراع الحوثية والإخوانية والتكتلات في الجنوب اليمني في المستقبل القريب للتفاوض مع هذه الفكرة وهي الأنجع، ولن يكون أمام هذه القوى إلا الالتحام به لبناء الدولة الجديدة.
أما فيما يخص مستقبل مأرب فقد تابع ابناء المحافظة السلطات المتعددة والتي حاولت اجتياح مأرب أمنياً، إلا أن المجتمع المأربي والقبلي كان حريصاً على تذويب التحديات من قبل مليشيا الحوثي، كما أن الحوثي نفسه لم يعمل من خلال تواجده في الجبهات المحيطة بمأرب على تطوير المقدرات للوصول إلى السيطرة الكاملة، واستطاع أبناء مأرب مواجهته والانتصار بسهولة، ومع أن السلطة الرسمية بمأرب تتعامل بجانب ديبلوماسي فلذلك نحن على ثقة بأن المحافظات المطلة على الحدود الجنوبية مثل مأرب وتعز الذين يمرون بنفس التحكم السياسي والامني في هذه المحافظات سينتصرون، لأن الحاضنة السياسية والعسكرية والعقائدية للحوثي ليست حقيقية وستضمحل ذاتياً، وسيعود أبناء مأرب لتأطير السياسة والسلام وستهزم مأرب القوى المتربصة، لأنها عبارة عن مجموعات انتهازية تريد فقط الاستيطان والاستيلاء وتفتيت ثروات مأرب ولن يصلو إلى ذلك، وستواصل المحافظة التقدم والوصول إلى السلام وتمكين السلطة المحلية وستذوب هذه المكونات ولن تتمكن من البقاء في مأرب لمدة طويلة، لذلك نحن نراهن على استقرار الأوضاع في مأرب قبل كل المحافظات لأنها لم تدمر نفسها كما فعلت بعض المحافظات، بل فعلت الحكمة في مواجهة الأطماع وسنستعيد السلطة المركزية.
** شكرًا جزيلًا بشمهندس أو أستاذ حسين؟
*شكرا.