التغير المناخي وتأثيره على البيئة في اليمن والاقليم..!
لم يعد خافياً على جميع المهتمين والمنظمات ذات الاختصاص المعنية بالتغيرات المناخية، وعلينا كمؤسسات اجتماعية وبيئية أن نقوم بالبحث المتعمق، والاستعانة بالمنظمات الاقليمية والدولية لتحديث الخارطة الجيوبيئية الناشئة بفعل التغيرات المناخية الواضحة، وأن اليمن قد دخلت في دائرة التفاعل من التغيرات المناخية التي حدثت بالمنطقة وباليمن وانعكست على شكل أعاصير وفيضانات وتذبذب حجم الأمطار وسرعتها وانعكاساتها على المستوى المحلي.
لاشك أن كوكب الأرض يعيش حقبة تغير في المناخ، ويواجه تحدي خطير تواجهه البشرية مع التغير المناخي، مما يثير قلق سكان الأرض فقد تسبب ذلك موخراً في حوادث مدمرة للبشرية كالإعصارات والفيضانات وحرائق الغابات وتدمير الممتلكات، ونشر الذعر والخوف بين الناس وكل ذلك ناتج عن الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.
وعلى سبيل المثال فإن المختصين البيئيين في مركز مداري للدراسات والأبحاث يتابعون حالة الطقس والتغيرات المطرية والإعصارية في محيط النطاق الصحراوي لمحافظة مأرب وما حوّلها، ومستجمع وادي ذنه المائي حيث هطلت أمطار وتدفقت سيول تتفوق على المستوى الطبيعي لتحركات المناخية والمطرية الي بحيرة سد مأرب العظيم، مما يحدو بنا القول بأن كمية الأمطار وصلت إلي ما فوق 20 ملم، بينما حجم التدفق الذي نزل على سد مأرب والذي غير من اتجاه حركة هذه السيول والتدفقات، وتدفقها في داخل المناطق الحضرية مسببة أضرار واضحة للبنى التحتية والسكانية والجغرافية.
والحمد لله فقد امتصت المناطق الرملية اندفاع هذه السيول في اتجاه مدينة مأرب، ولم تصل إلى مستوى الكارثة، إلا أن هذه السيول التي اندفعت في اتجاه بعض المدن قد تسببت في انقطاع بعض الطرق، وخصوصاً الطريق الدولي للمسافرين ودمرت بعض مناطق النازحين في اطراف مأرب الشرقية، مما تسبب في هروب اولئك النازحين من مناطق احتمائهم إلى مناطق أخرى، وقد غطت وسائل الإعلام هذه الاحداث المؤسفة للسكان الذين يسكنون في تلك الأماكن، وتمثل مساكنهم بالعشوائية وعدم توفر الامكانيات لنقل هؤلاء النازحين إلى المناطق الآمنة بعيداً عن هذه التدفقات الخطيرة ، إلا أن حبس مياه الأمطار في بحيرة سد مأرب للأعوام الأخيرة وعدم تفريغها قد يعرض أمن وسلامة سد مأرب للخطر في ظل تغير المناخ القائم في اليمن والاقليم، ونستغرب من اصرار ادارة سد مأرب وسلطة مأرب على حبس مياه السد للأعوام ال 5 الأخيرة وتركها تتبخر، بل أن السد قد فاض ولأول مره في عام 2020 نتيجة لعدم فتح بوابة السد وتصريف مياه الأمطار، مما يعرض حياة السد والزراعة والمياه والمنطقة للخطر..!!!
ويمكن لنا التعبير بوضوح أن الظاهرة الثانية من تغير المناخ والمتعلقة بالأحداث المتطرفة التي حصلت خلال العامين الأخيرة، حيث تعرضت محافظات اليمن الشرقية في المهرة وحضرموت وشبوة ومأرب لمنخفض جوي ولظواهر شديدة وبوضوح في تذبذب قوة هطول الأمطار وقوة جريان السيول في مجاري الوديان والمناطق الحضرية بشكل لم تعهدها في السنوات والعقود الماضية، وعلى النقيض من ذلك فقد حدثت هذه الأحداث المتطرفة في الاتجاه السلبي، حيث مرت العامين السابقين وشهدت المنطقة جفافاً خطيراً تسبب في ارتفاع درجة الحرارة وعدم سقوط الأمطار حسب المعتاد، مما تسبب في غمر مناطق كثيرة بحضرموت وانقطاع الطرق الدولية للمسافرين، وتسبب في ضحايا بشرية، كما تسبب في جفاف للأراضي الزراعية وتدهوراً في المحاصيل الزراعية والفواكه التي كانت تمثل مدخولاً كبيراً للموارد الذاتية، وبروز حالة الفقر ووصول مرحلة الأمن الغذائي إلى مستويات مخيفة، ولا تزال مراكز الأرصاد تحذر الناس من البقاء في الوديان وممرات السيول.!
وبالمقارنة مع ما حصل في منطقة الخليج العربي وخصوصاً في سلطنة عمان و دولة الإمارات، حيث شهدت مدينة دبي ومدن اماراتية أخرى الأسبوع الماضي اندفاع مفاجئ لمياه السيول والفيضانات نحو المدن والشوارع بشكل مفاجئ وتدميري، بينما مرت أكثر من 8 سنوات على مناطق الإمارات دون أن تشهد كمية من الأمطار والتدفقات الآمنة، وبمراجعة أسباب هذه الظواهر في الإمارات فقد علل الخبراء الاجانب والمختصين في منطقة الإمارات، أن السبب في حدوث تلك الهبة المفاجئة لتلك الأمطار والتدفقات المائية والانهيارات ناتج عن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف والتغيير المناخي العالمي، فدولة الإمارات ولأول مرة في تاريخها تعرضت لعاصفة وامطار غزيرة بشكل قياسي، وهطول أمطار غزيرة في تاريخ الامارات مما تسبب في غمر الطرق والشوارع والمنازل، وهي الأعلى منذ تسجيل البيانات المناخية، وفق الأرصاد البحرية الإماراتية فقد هطلت الأمطار في غضون 15 دقيقة حيث تجاوزت كمية الأمطار 30 ملم، ووصلت كمية الأمطار الي 260 ملم في بعض الأماكن وهذا رقم خطير لم يحدث في أي دولة عربية، مما تسبب في غرق الشوارع و السيارات في الشوارع وإقفال المدارس والمطارات، وكل هذه الأحداث تشير إلى التغيرات المناخية والناتجة عن انبعاثات في درجة الحرارة، وضرورة اتخاذ اجراءات للحد من هذه التغيرات الطارئة في المناخ المدمرة على حياة الناس.
ومن هذا المنطلق يجب الاعتراف أولاً من قبل اليمن والمناطق التي شهدتها هذه الظواهر، والاعتراف بأن اليمن والإمارات قد شهدت ظواهر التغير المناخي، ويجب وضع تنفيذ محطات القياس المناخي وتسجيلها، وفتح مجالات تعاون مشترك مع الدول الأخرى وإشراك المنظمات الدولية التي تتابع هذه الظواهر، وتمويل الكثير من المشاريع في هذا الاطار مثل البنك الدولي ومنظمات الأرصاد العالمية ومنظمات البيئة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وصندوق التعاون البيئي الدولي.
حيث تلزم محطات القياس من قبل مشروع برنامج ترميم البنى التحتية المتأثرة من الصراع والبيئة، حتى لا تتأثر وبناء المصدات التخصصية في محيط سد مأرب وبحيرته وفي الوديان ووادي ذنه، وضرورة تفريغ بحيرة سد مأرب التي تنزل إليها السيول من مناطق أعلى شمال اليمن من ذمار وصنعاء وإب في مجمع وادي ذنه المشهور، حيث يجب عمل مصدات واجهزة رصد وتفريغ بحيرة سد مأرب، وتمويل مشاريع القياس الجيولوجية الهندسية، وعمل آبار قياسية وجيوتقنية، بحيث نستطيع عمل تنبؤات ونماذج لتوجيه اندفاع السيول لمناطق آمنة بعيدًا عن المناطق الآهلة بالسكان.
هذه الأحداث تجسد حجم التحديات التي تواجه المنطقة في مواجهة التغيرات المناخية، وتذكرنا بأهمية وبإجراءات عاجلة وفورية للتكيف مع هذه التحولات بعد ما حدث من فيضانات في سلطنة عمان والإمارات ومنخفض اليمن في حضرموت ومأرب، حيث يؤكد خبراء المناخ بأن تغير المناخ ناتج عن ارتفاع في درجة الحرارة الناجمة عن الأنشطة البشرية، مثل انبعاث غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، فارتفاع درجة الحرارة يزيد من هذه الأنشطة المتطرفة المتمثلة بالعواصف الشديدة والفيضانات القوية والأمطار السريعة الهطول جداً، والجفاف والحرائق، وضرورة من اجراءات عاجلة للتكيف مع المتغيرات المناخية.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
22 أبريل 2024.