صحراء الجوف.. ألغام تبتلع أرواح اليمنيين وقطاع طرق ومليشيا خارجة عن القانون
تحصد صحراء الربع الخالي “شمال شرق اليمن” أرواح العشرات من المسافرين برًا من وإلى السعودية، حيث وثقت الأرقام مئات الحوادث التي راح ضحيتها الكثير من الذين يسلكون طرقاً خطيرة بعد أن أقدمت ميليشيا الحوثي على إغلاق الخطوط الرئيسية بين المحافظات المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
بعض سائقي حافلات النقل أكدوا بأن المسافرين المتجهين إلى منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية أو العائدين إلى الداخل، يضطرون إلى المجازفة بأرواحهم من خلال سلوكهم طرق بديلة صحراوية غير آمنة، في ظل تعنت ميليشيا الحوثي بعدم فتح الطرق الرسمية، وهو ما ضاعف من معاناة السائقين والمسافرين الذين وقعوا ضحية الصراع والتعنت.
وخلال التسع السنوات من إغلاق طريق “الفرضة” بسبب الحرب وانقلاب الحوثيين على السلطة، سقط المئات بين قتيل وجريح في صحراء الجوف، حيث رصد تقرير المنظمة “رايتس رادار” ( 392) انتهاكاً بحق المسافرين وسائقي المركبات والمدنيين من السكان بين عامي 2014م _ 2021م في طريق الجوف
وتعد صحراء الربع الخالي بمحافظتي ” الجوف ومأرب” من أشد الطرق الغير آمنة، حيث تحصد بشكل شبه يومي خسائر كبيرة بين مادية وبشرية، وبحسب تقرير ” رايتس رادار” فقد قتل (31) شخص وأصيب (48) مسافر، مشيراً إلى أن من بين الانتهاكات في طريق صحراء الجوف (54) حالة نهب وفرض إتاوات وإضرار بوسائل نقل، و (188) تقييد لحرية التنقل وحالتي إعاقة لوصول المساعدات الإغاثية.
شهود عيان وضحايا فقدوا كل شيء
يقول سعد ناصر الحمادي من أبناء محافظة تعز لـ ” يمن المستقبل” في العام 2023م من شهر يونيو، توقفت سيارتي بداخلها أسرتي المكونة من سبعة أفراد وسط الصحراء بين مأرب والجوف، حاولت إصلاحها دون جدوى، انقطعت عنا تغطية المحمول، حرفياً انقطعنا عن العالم، كان الوقت بحدود التاسعة صباحاً، دارات عقارب الساعة بسرعة، وراجعت الكثير من القصص التي كنت أسمعها، دخل علينا الليل ونحن في حالة خوف، شلل كامل أصابني في لحظات الليل الأولى، أتانا شخصان على متن سيارة يبدو أنهم من سكان المنطقة، طلبوا منا أن نركب معهم وترك كل شيء خلفنا، أخذونا من وسط الصحراء بحوالي ساعتين أو أكثر، وضعونا أمام منزل عليه شعار الصرخة بدا لنا وكأنه مسكون، غادروا فوراً دون أن يبلغونا بشيء، حل علينا الليل، دخلن المنزل ووجدنا الكارثة.
يضيف. كانت هناك إنارة مصدرها ألواح الطاقة الشمسية، وجدنا رجل وامرأة بعمر الخمسين استيقظا بعد جهد، وأخبرونا بأن من اقتادهم إلى هذا المكان عصابة تقوم بنهب المسافرين ووضعوهم في هذا المكان، ولهم منذُ الظهيرة، أتى الصباح، لنتفاجأ بسيارة مليئة بالمسلحين حققوا معنا، وقاموا بنهب كل ما لدينا من هواتف وأموال، ومن خلال حديثهم معنا اتضح لنا بأنهم يتبعون الحوثي، وقبل المغادرة طلبوا منا العودة للمنفذ الحدودي متحججين بأن الطريق حالياً ليس آمنًا.
ويضيف الحمادي بأنه يومها خسر سيارته وأشياء ثمينة كانت بحوزته رسائل وحوالات لناس آخرين وبأن تعب سبع سنين راح في مهب الريح في لحظة غفلة من العالم.
معاناة كبيرة وحلول مفقودة
قبل أيام قليلة نشر ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة ( إس إم إس) من أحد المواطنين وعائلته بعد أن تاهوا في صحراء الجوف يستغيثوا الناس انقاذهم من شبح الموت بعد تعطل سيارتهم ونفاذ الماء والغذاء عليهم.
ووفقاً للأخبار المتداولة لم يتضح بعد حالة الأسرة التائه في صحراء الجوف حتى كتابة هذا الخبر، ولم يصدر أي تعليق من الجهات الرسمية حول هذه الحادثة.
وهناك مشاهد وصور مؤلمة لحوادث مرورية مروعة تعرض لها المئات من المسافرين على مدى السنوات الماضية، تحكي حجم المعاناة التي يتجرعها العائدون لأرض الوطن، أصبحت صحراء الجوف أحد أوجه الحرب المتعددة ضد اليمنيين، وهاجساً يومياً يؤرقهم ويعطل مصالحهم وينهي حياة الكثيرين منهم.
ألغام لا ترحم وصحراء تبتلع كل شيء
يقول جلال ناجي من أبناء محافظة لحج لـ “يمن المستقبل” بأن أخوه حمزة أضطر في نهاية العام 2023م لاستخدام طريق صحراء الجوف، كان برفقته شخصان من نفس المنطقة، وبأن أخباره انقطعت عنهم منذُ ذلك الوقت من تاريخ 23 ديسمبر، وبأنهم بحثوا عنه ولم يعثروا عليه، ويضيف بأن أشخاص أبلغوهم بأن شقيقة ومن معه كانوا قد استغاثوا بأحد أصدقاء في المملكة العربية السعودية وأبلغوه بأن سيارتهم غرزت وسط الرمال ومن ثم انقطع الاتصال عنهم، وإلى اليوم يقول جلال لا يعلم شيء عن شقيقه الأكبر ومن معه.
محمد الاصبحي، سائق سيارة نقل يقول لـ ” يمن المستقبل” اضطررت لعبور طريق مأرب-الجوف، بسبب إغلاق الطرق الأخرى، وطوال الرحلة كنت على اعصابي خوفاً من أن أقابل في طريقي قطاع طرق.
يضيف. صادفت أثناء طريقي سيارة متفحمة انفجر بها لغم وسط الصحراء وتوفي كل من بداخل السيارة، كان بجانب السيارة المتفحمة مجموعة مسافرين، وعند سؤالي، قالوا هذه أسرة مكونة من 6 أشخاص، من محافظة الحديدة، قتلوا جميعاً بسبب انفجار لغم بسيارتهم.
الألغام التي زرعتها ميليشيا الحوثي في الصحراء، تحصد أرواح المسافرين، ومن وقت لآخر يتداول ناشطون صوراً لسيارات مغتربين محطمة ومحترقة بعد مرورها فوق ألغام تم زراعتها بشكل عشوائي.
وفي مارس الماضي 2024م قتل مدنيان بانفجار لغم أرضي في الطريق الصحراوي الرابط بين مأرب-والجوف، علم “يمن المستقبل” بأنهم من محافظة حجة نزحوا لمحافظة مأرب هرباً من بطش ميليشيا الحوثي.
كما تسببت الغام الحوثي بإصابة العشرات بإعاقات وإصابات مختلفة جراء انفجارها بهم، بالإضافة إلى الخسائر المادية والبشرية والحمولات التي على متن السيارات، وهي معاناة مستمرة منذ سنوات في صحراء الجوف، في ظل استمرار إغلاق الطرقات الأصلية، ليس لشيء، إلا لغرض التعذيب والتنكيل بالمواطنين، كواحدة من أنواع العقوبات الجماعية التي يفرضها الحوثيون على أبناء الشعب اليمني.