ربما كانت فرصة أضاعتها إيران
لم يحدث من قبل أن حصل التندر في وسائل التواصل الاجتماعي على أي حرب بهذه الصورة مثل التي عليها إيران واسرائيل اليوم، فقد تصدرت أخبار العملية العسكرية التي قامت بها إيران ضد أهداف اسرائيلية، الصحف وقنوات الإعلام ومواقع الأخبار وصفحات المغردين والسياسيين والاعلاميين باستثناء البيانات وردود الفعل الرسمية من قبل وزراء الخارجية في مختلف الدول العربية والغربية.
على العكس من ذلك ظهرت البروباجندا الإعلامية التي تدور في فلك دعاية إيران وسياستها الخارجية لتسرد للمتابع بطولات العملية وما نتج عنها حتى قبل أن تصل المسيرات والصواريخ غلاف اسرائيل الجوي.
مقابل ذلك يمكن القول أنه كادت أن تكون فرصة كبيرة أمام الجمهورية الايرانية الاسلامية للانتقام مما حدث لها مؤخرا من اغتيال ستة من قياداتها البارزين من الحرس الثوري والمستشارين بينهم الجنرال زاهدي بعد قصف مبنى القنصلية في سفارتها لدى سوريا وهو الأمر الذي كان يستدعي ليس 100 طائرة مسيرة وخمسين صاروخا بل جيشا عرمرمي !!
ولكن هناك تاريخ من التخادم بين الخصمين كشفته الأيام والمشاريع التدميرية التي تدور في المنطقة من خلال اسقاط عدد من العواصم العربية الهامة ومحاولة تطويق دول الخليج العربي بهلال شيعي يخدم إيران ويضعف الأمن القومي العربي.
ففي ظل جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل في غزة خاصة وفلسطين عامة وحجم الابادة الجماعية، فقد كان المتوقع أن يكون الرد الإيراني حقيقي ومزلزل من خلال ضرب مواقع عسكرية حساسة في اسرائيل أو ركائز اقتصادية مهمة للضغط من أجل وقف هذه الحرب الاجرامية البشعة وعدم توسع رقعة الصراع، لكن ذلك لن يحدث أيضا بحسابات الربح والخسارة واستمرار عمليات السيطرة على المنطقة وزعزعة أمنها واضعاف قدراتها وتدمير طاقاتها خاصة البشرية.
لقد اعتادت إيران على الاحتفاء بالمكاسب السياسية والعسكرية من بوابة الخداع وتظليل الشارع العربي والاسلامي وها هي اليوم تمارس نفس المسرحية، بحيث لم نسمع حتى الآن مقتل حتى كائن في حديقة حيوان داخل الآراض المحتلة انتقاما لقاداتها الذي سقطوا في بلاد الشام.
كان أمام إيران أن تكسب رصيدا سياسيا وشعبيا في الشارع العربي والاسلامي وتبديد القول بأنه لا يوجد تخادم بينها وبين اسرائيل والولايات المتحدة، لكن ثبت أن إيران أرادت من هذه الضربة فقط مجرد ايصال رسائل لتهدئة الشارع الايراني ورفع الحرج عنها أمام مواطنيها ومناصريها، كما أرادت أيضا من هذه العملية ترسيخ صورتها أمام العالم بأنها قوة اقليمية كبرى مهابة تنتصر لفلسطين لكنها اخفقت وحصدت فشلا ذريعا ومخزيا.
فقد أعلنت إيران عن تفاصيل العملية قبل بدئها وبدأت الترويج للنتائج والاستشهاد بالبطولات التي تحققت والطائرات المسيرة ما تزال خارج حدود العدو الصهيوني، نفس ما حدث من ضربات بين الأمريكان والحوثيين نتيجة تداعيات أحداث البحر الأحمر وباب المندب والتي روجت أنه أصبح تابعا لها.
والحقيقة لو أن إيران استفادت من دروس كثيرة لكانت حفظت ماء وجهها الذي اراقته بلا استحياء أمام شاشات الإعلام ومنصات الرأي فلو أنها اكتفت بعملية قرصنة في مضيق هرمز ربما كانت أنجع وأكثر جدوى من هذه الضربة الدعائية غير المؤثرة.
ولكن التساؤل الملح هو هل ستؤثر هذه العملية على التعجيل بعمل اتفاق لوقف الحرب على غزه والتوصل لاتفاق لتبادل الاسرى والدخول في تفاهمات حول مستقبل الدولة الفلسطينية أم أنها ستزيد من التعنت والصلف الاسرائيلي وتعقيد المباحثات، والمزيد من سفك الدماء للشعب الفلسطيني، وسقوط عواصم عربية جديدة؟؟
والأهم هنا حتى نكون أكثر واقعية ونختم هذه التساؤلات والقراءات، هو التباين الكبير في تقييم العملية التي قامت بها إيران وسربت توقيتها وأهدافها قبل انطلاقها بأيام، وما هو حجم التأثير العسكري والسياسي بين الجانبين، الإيراني والكيان الصهيوني واذرعهما واصدقائهما في المنطقة ومحيطها من محاور العبث الذي تدعيه؟؟
على الأقل بالنسبة لي كمتابع لا توجد صورة واضحة، باستثناء التأكيد على أن الجانبان يتعاملان من منطلق الحرب النفسية ويتعمد كل منهما التعتيم على الخسائر وتضخيم المكاسب والتخفي وراء الأهداف الحقيقية والمستقبلية لكل عملية.
واذا صحت ما تنشره صفحات السوشيل ميديا في العراق حيث سقط صاروخين وفي برج الحمام في الأردن حيث سقط صاروخ آخر وتبين أن هذه الصواريخ لا تختلف في الشكل عن سخانات المياه وبلا حشوات متفجرة فإن ذلك سيكون دليلا آخر على اتقان نظام الملالي في طهران قواعد الاشتباك وشروط التخادم.
وستبين الأيام القادمة حقيقة الصراع وأهدافه أكثر، وهل سترد إسرائيل بشكل مباشر أم ستكتفي بما تم؟ وكيف سيتعامل مجلس الأمن مع الأزمة الحالية في ظل ما يسمى الردع الاستراتيجي؟ والاهم هل ندرك نحن العرب بأن الجميع يعمل من أجل مصالحه واهدافه، وهو لاشك أمر مشروع ولكن علينا نحن أن نتعلم كيف نعمل من أجل تحقيق أهدافنا ومصالحنا، وأن لا نكون بيادق بيد الآخرين يتم تحريكها كما يشاؤون ومتى يريدون لتحقيق أهدافهم، وأهمية النظرة إلى الأمن القومي في بعده الوطني الشامل وليس في اطار مناطقي محدود وضيق لأن انعكاسات وتداعيات الصراع ستمتد آثارها حتما إلى كل بقعة عاجلًا أم آجلا.