منبر حر لكل اليمنيين

(هيام): قصة أم ابتلعتها غرفة تصريف السيول يوم العيد نتيجة اهمال السلطة

حادثة غرق داخل حديقة الثورة تنغص فرحة العيد لدى اليمنيين

622

حادثة حديقة الثورة يفترض أن تتحول إلى أيقونة لانتقاد القائمين اليوم على رأس السلطة، ومحاولة إزاحة هذا المشروع الذي دمر كل مقدرات البلد، وغيب مسار الاصلاحات، وفخخ الأرض بالبارود بحيث تسقط كل يوم ضحية بشكل كامل أو معاق.

ففي حين كانت الضحية تستعد مع أبنائها للذهاب إلى الحديقة، كانت مجاميع من (المسربلين) يستعرضون سلطتهم التي قامت على اراقة الدم في صفوف المصلين وكأنهم في مشهد عيدي بائس، غير مكترثين لأرواح الناس المطحونة وأجسادهم المسحوقة، وحياتهم التي تحولت إلى مشاهد من الموت والجوع والخوف والأوبئة، جموع المصلين تلك توحي وطريقة صلاتهم مليئة بالإيحاءات المباشرة والغير مباشرة لما عليه المستقبل، وعلى الآخر أن يعرف أن هؤلاء أبناء الله واحباؤه يفعلون ما يشاءون متى ما يريدون وفي أي مكان، وأنهم صفوته وأنوار الهدى على الأرض، الدين لا بد وأن يكون على طريقتهم وكذلك الحكم، وحتى موت الناس هم من يقرروه.

هيام ضحية السلطان المهمل

حين اتجهتْ إلى حديقة الثورة في أول أيام العيد بحثًا عن بهجة لها ولأولادها الـ4 وبعض أقاربها، لم تكن تعلم (هيام مهيوب خالد الشرعبي) التي تنحدر من محافظة تعز من عزلة “مؤرخة” مديرية (شرعب)، أن هذه الرحلة ستكلفها روحها، وأن الموت ينتظرها بصورة عكست بشاعة الاهمال وفداحة الموقف الذي وُضع فيه من كانوا إلى جوارها وهم يشاهدون الموت أمام أعينهم والأرض تبتلع أحدهم في لمح البصر وتحاول ابتلاع آخر دون تردد أو عمل اعتبار للحظة وللمناسبة، للمكان والزمان لكل من كان في الحديقة يبحث عن لحظات فرح بما فيهم أولاد الضحية وأقربائها.

هكذا مر شريط الحدث الجلل مثل زلزال، كأن الجميع يتابعون فيلمًا سينمائيًا في شاشة عريضة وقد وصل ذروة التشويق المخيف، مشهد لا يتكرر على الواقع إلا في عهد سلطة تأخذ ولا تعطي تنهب ولا تمنح تدمر لكنها لا ترمم أبدًا كما هو موجود في أبجدياتها سلطة يديرها مجموعة من اللصوص والقتلة أيضًا، مشهد مزق الأوصال وكسر الخواطر، وهزم الإرادة وأرسل البهجة إلى دهاليز الجحيم.

ليس من السهولة بمكان وصف المشهد كما هو على أرض الواقع بالتأكيد مهما بلغت رؤية المعد والمخرج وبراعة الممثل، لكن الشاهد وهو الموت قد اتقن لَعب هذا الدور في هذه اللحظات لصالح السلطة البشعة المغيبة تماما والبعيدة عن أحلام الناس البسيطة، وكف خطابه باختطاف روح كانت ترعى أربعة أبناء للتو كانوا شاهدين على لحظات فارقة، يبتهجون ويتقفزون من لعبة إلى أخرى قبل أن يهطل المطر الموت ويغمر كامل الممرات داخل الحديقة وتنعدم رؤية الأفخاخ المهملة التي في القاع وينتهي السيناريو بسقوط روح بريئة كانت تريد أن تتجاوز مطر السماء فابتلعتها حفرة السلطان الذي نسي اغلاقها على الأرض لانشغاله بجواري القصر، ومتنفس الحديقة الخلفية.

الثورة أقدم الحدائق في صنعاء

ما حدث في واحدة من أقدم الحدائق (الثورة) يوم العيد بعد هطول أمطار غزيرة غمرت المساحات المشجرة والممرات لأحد الأمهات التي وجدت نفسها هي وقريبة لها، أخت زوجها وجها لوجه مع الموت وسط حفرة تصريف مياه السيول نصف مكشوفة، جريمة متكاملة الأركان واهمال يعيد للأذهان مقولة عمر بن الخطاب الذي لا يعجب جماعة السلطة الحالية ولا يستشهدون بأقواله ولا يتبعون سياسته وهو من المغضوب عليهم في عقيدتهم الجارودية. ” لو عثرت بغلة في العراق، لسألني الله عنها : لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر “.

هكذا وفي لمح البصر تحول العيد إلى مأساة لدى أسرة كاملة، بل أن تداول الخبر نغص فرحة الآلاف من الناس، فتاة يبتلعها المطر في قلب العاصمة صنعاء، ويتم انقاذ أخرى لتبدأ عملية البحث وتمر الساعات والليالي الطوال، حتى ساعات متأخرة من مساء ثالث أيام العيد يتم الوصول إلى جثمان (هيام) في مشهد مرعب لم يكن أمام الجميع سوى الابتهال والتضرع بالرحمة والخلود، والتساؤل إذا كان الإهمال سبب في الموت فهل عجز الدفاع المدني من انتشال الجثمان لمدة ثلاثة أيام بلياليها، هذه جريمة أخرى بحسب المواطنين وأهالي الضحية.

هي ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة يقول المواطنون أيضا لطالما أننا أمام سلطة ليس لها أي ارتباط بقضايا الناس والخدمات الضرورية ولا بالتنمية وترميم ما أفسدته الحرب والصراعات، حتى أبسط الأشياء، حديقة الثورة وشبكة تصريف السيول واحدة من هذه القضايا.

زوج مكلوم وأبناء فقدوا أغلى ما يملكون

فقد (فائز خالد مدهش الشرعبي) زوجته (هيام مهيوب خالد الشرعبي) في يوم العيد وكاد أن يفقد أخته إلى جوارها لو لا عملية الانقاذ التي تمت من قبل المواطنين الذين تواجدوا لحظة الحادثة وقاموا بالواجب، ثلاثة أيام والسلطة لم تستطع انتشال جثة الشهيدة هيام ما يعني أن هناك فجوة بين المواطن والسلطة القائمة وبون شاسع بلغة السياسة إن صح التعبير، والحقيقة هناك تغييب كامل لمعنى السلطة والمسؤولية.

هيام ضحية من ضحايا السلطة الحالية التي لا تتبع مكامن الخلل لإصلاحها بل تفسد الموجود وتدير الواقع بالعصا والجزرة دون تحقيق المرجو منها باستثناء ما يخدم توجهها السياسي، وحين تهتم السلطة بجانب مظلم وتترك الحياة العامة عرضة للأوبئة والغرق في الأمراض والجهل والفقر ونشر ثقافة العنف والاقتتال فإن المستقبل مخيف ومظلم.

وفاة هيام جريمة لا تقل عن الجرائم التي تحدث تحت سمع وبصر الناس والكاميرات والمنظمات، في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية لا يجب السكوت عليها، هي الآن تدون في صفحات مظلمة من حكم هذه الجماعة.

من سيحتضن أربعة أبناء بعد أن فقدوا حضن أمهم، كيف سيستوعب هؤلاء أن الأرض ابتعلت أمهم في يوم عيد وداخل حديقة يفترض بها مكانا آمنا ومصدر بهجة وسعادة، هكذا ذهبت هيام إلى حتفها الذي لم تكن تعلمه، حين تتحول نعمة المطر إلى نقمة، والمشاريع التنموية والخدمية إلى سبب لإزهاق الأرواح أي معادلة هذه وأي عدالة لا تقتص لهؤلاء من أرباب السلطة.

جماعة بضاعتها الموت لا سواه

هذه هي البضاعة التي تعدكم بها المليشيا؛ الموت بأشكال مختلف على طريقة (هيام) داخل حديثة الثورة بصنعاء، أو أسرة (اليريمي) في تفجير منازل رداع، أو (المكحل) في محافظة إب، أو (محمد صميع) في الحديدة، أو اليافعين والشباب ممن تدفع بهم إلى الجبهات ويعودون في صناديق عليها شعارات الموت بعضهم أشلاء بنصف جسد، وبعضهم بدون رأس أو بلا أقدام..

وداعًا (هيام) إلى جنة الخلد يا أختنا وأمنا وبنتنا وبنت هذه الأرض التي خانها الطامعون. “مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”، ولا بارك الله بمن أهمل تلك الحفرة يا سيدنا عمر!!.

 

تعليقات