صاحب الفضيلة
لمع اسم الحاج “هائل سعيد ” في ذهني من وقت مبكر وانا صغير ؛ بينما كنت كلما احتجت من والدتي رعاها الله اي شىء من حوائج الصغار ولا تستطيع ان تقضيه لي ؛ تقولي من اين ادي لك يا ابني ” مانيش مرت هائل سعيد” !
حتى وانا مع الاصحاب في الحارة ؛ لما كنا نخطط لفعل اي شيء يحتاج للمال الذي يصعب علينا الحصول عليه اسمع احدهم يقول ” والله لو انا هائل سعيد مقدر ادبر هذي الزلط ”
وفي مواسم رمضان على الاخص كان اسم الحاج هائل سعيد يتردد كثيرا على مسمعي اثناء توزيع الزكوات باعتباره رجل الخير والبركات الذي يتفقد احوال الناس الى بيوتهم بورع ومن دون ضرورة لان يقف احدهم في طوابير الحاجة المؤذية للكرامة .
وحتى الكلام الذي كنت اسمعه من كل شاب في الحارة او في العائلة ؛ حول مصانع ” هائل سعيد ” التي تاخذ عمالها كل يوم من امام بيوتهم؛ او من تجمعاتهم المعروفة في سوق الجملية ؛ الى مصانع الحوبان ثم تعيدهم الى نفس الأماكن بانتظام ؛ كان يبدو لي لكأن هناك رجل جديد في الحياة يمتلك المال الذي لا يمتلكه احد غيره واسمه الشهير لصيق على الدوام بكل صنيع حسن يعود بالفائدة على الناس .
ولم اكن حينها اعرف من هو ” هائل سعيد” هذا الذي لو كان تزوج امي لكانت ستقضي لي كل حوائجي الصغيرة دون تباطوء ؛ او لو انه كان صاحبي الذي نلعب احنا وهو سوا في الحارة مثلا ؛لما تعثر علينا اي حلم صغير يعوزه المال .
ولكني كنت اعرف في قرارة نفسي ان هائل سعيد هذا الذي يحكى عنه تماما كما تحكى الاساطير ؛ لم يكن انسان عادي على الاطلاق وكنت اعتقد بانه لا يتواجد بيننا على هذه الارض وانما يات الينا من السماء مرة واحدة كل عام مع قدوم شهر رمضان الكريم ويمكث بخيره الوفير معنا ثم يعود من بعد ذلك الى السماء مرة اخرى تاركا خيره فينا بقية ايام السنة .
كان هذا تصوري عنه
حتى كنت امثل ذات يوم في حفل مدرسي بمناسبة عيد العمال او عيد المعلم ” بمدرسة معاذ بن جبل
وكان هناك في الصف الامامي رجل ناحل يرتدي لباس ابيض ناصع يشوف المسرحية ويتبسم ويضحك بوجه ودود وقور وانا والله مالي علم من هو هذا الرجل الابيض الذي يحضى بحفاوة منظمي الاحتفال حتى سمعت اسمه اللامع فجاة بينما كان مذيع الحفل في المنصة يشكره ويستدعيه ليصعد اليها في فقرة التكريم وعرفت يومها فقط انه ” هائل سعيد” الذي يجي مرة واحدة في السنة .
وشفته لاول مرة وجها لوجه ؛ولم اشعر للحظة واحدة باني اخطأت في تصوري عنه . وصافحته اثناء التكريم بفرح وسرور لكاني اصافح نبي طهور هطل من السماء في موعد لم يكن مالوف بالنسبة لي . ومن بعد ذلك اليوم عرفت انه صاحب الفضيلة الذي يأت في كل موسم مش في رمضان وبس.
وكبرت من بعدها وانا احبه كانسان وكقدوة حسنة
وشبيت وانا اتتبع سيرته العطرة وكفاحه من اول خطوة حتى اصبح هائل سعيد صاحب الفضائل التي لم يعتورها اي سلوك مشين مصاحب لها ؛تحت اي ظرف كان او اي مقصد اخر غير اسعاد الناس ومقابلة ربه بوجه حسن .
وكانت حياته وماتزال عندي حتى هذه اللحظة من العمر من اكثر القصص الانسانية العظيمة والملهمة في حياتي؛ والتي يفترض بها ان تصبح ذات يوم حكاية واحداث في مسلسل يحكي للاجيال قصة انسان يمني بسيط مثابر بدء كفاحه من الصفر حتى صار اثرى انسان في البلد . وكيف انه فعل كل ذلك ونال المجد التجاري من دون ان تتلوث سيرته باي مفاسد من تلك التي تغري النفس البشرية في مسيرة الثراء .
اما وفاته الآمنة التي تصادف عشية السابع والعشرين من رمضان في كل عام ؛ فهي خاتمة المحسنين الذين لايأتون في رمضان وبس وانما ياتون بخيرهم في كل لحظة ووقت .
الف رحمه عليك ياحاج هائل وطيب الله ثراك .