قيادات في مسيرة الوطن.. الدكتور القربي نموذجًا
خلال أربعة عقود مضت من عمر الدولة مرت أجيال ونخب، ومر رجال وشخصيات سياسية مهمة، وبرزت وجوه مثلت ثقلًا سياسيًا نوعيًا ورسمت علامات فارقة في سياق الإدارة ونظام الدولة، الأمر الذي ميز تلك المراحل عن غيرها نتيجة لثقل تلك القيادات وتفردها بميزات استثنائية التي أدركنا قيمتها أكثر بمجرد أن عمَّت الفوضى وصارت بديلًا لمرحلة يصعب تكرارها.
لذا، من حق هذه القيادات، سواء التي ترجلت أو التي لا تزال تعمل في مضمار العمل الوطني والتي قدمت خدمات جليلة، وتركت سيرة ناصعة من العمل الرسمي والشعبي على مدى عقود من الزمن، وتميزت حقبتهم بالعطاء والكفاءة والنزاهة، أن تحظى بالاهتمام، والتذكير بأدوارها وأن تنال حقها من الاحتفاء والتبجيل، وأن يُشاد بأدوارها وأعمالها وأن تكون محل تقدير في حياتها وبعد مماتها، ولو بالكلمة الصادقة، والتعبير عن الامتنان والثناء كحق وواجب علينا لما قدموه وبذلوه من جهد وتضحيات.
وأنا أقلب بين الأوراق وأتفرس في الوجوه وملامحها التي مرت في سياق الوظيفة والحكومات المتعاقبة، تجلى أمامي الدكتور القدير أبوبكر بن عبدالله ابن علوي القربي وزير الخارجية الأسبق للجمهورية اليمنية، والأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام، والشخصية الأكاديمية المخضرمة والمتزنة برحابة صدره وهدوء طبعه، ورزانة عقله وعمق فكره وتواضع شخصه وحسن خلقه، صاحب رأي سديد وحكمة وديبلوماسية عالية وكفاءة منقطعة النظير، رجل لا تشعر معه بالبرجوازية ولا بالرسميات، كان ولا يزال قريبًا من الجميع، وواحد من الذين تدرجوا في مواقع المسؤولية نتيجة لكفاءاتهم وإخلاصهم لوطنهم وتفانيهم في خدمة الناس، بكل تواضع ومحبة.
تبوأ الدكتور القربي عدة مناصب، كان آخرها وزيرًا للخارجية لأكثر من عقد من الزمان، وكان نموذجًا ناجحًا للإداري الملتزم والسياسي المقتدر والديبلوماسي المحنك، وما زال الكثير يتذكر فترة قيادته لهذه الوزارة والنجاحات التي حققها في عهد الرئيس الأسبق الشهيد علي عبدالله صالح، رحمة الله عليه، ولا زال الكثير يشيدون بأدواره وأعماله لأنه كان قدوة في العمل والتفاني وتمثيل الدولة والوطن بالشكل الذي يليق بتاريخ اليمن، اليمن الكبير.
اليوم لا يزال الدكتور القربي، حفظه الله، لاعبًا رئيسًا وراسمًا لسياسات دقيقة وهادفة من خلال موقعه السياسي والتنظيمي كأمين عام مساعد للمؤتمر الشعبي العام، وعضو بمجلس الشورى، ومشاركته النشطة والفاعلة في المحافل الإقليمية والدولية، وواجهة مشرفة للمجتمع المدني، يقوم بدور وطني من خلال موقعه الحالي لإخراج اليمن من أزمته وإنهاء الحرب والعودة إلى التسوية الشاملة العادلة والدائمة لإيمانه المطلق أن إحلال السلام وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحداً في اليمن هو المدخل لحل كافة المشكلات والصراعات والتفرغ لعملية التنمية والبناء وإعادة الإعمار.
القربي رجل دولة متمرس جسد القيم الوطنية والقومية وبرز منذ عودته إلى أرض الوطن بعد تخرجه من عدد من الجامعات المرموقة في دراسة الطب في بريطانيا وكندا، عرف عنه تميزه ونبوغه بين زملائه، ولعل سيرته العلمية منذ مرحلة البكالوريوس وحتى الدكتوراه وما بعدهما تؤكد قيمة ما كان يحمله من تأهيل وتدرج في نهل العلوم.
شغل أبا نسيب مواقع متعددة وكانت أول معرفتي به في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما كنت طالبًا في كلية التجارة، ثم رئيسًا لاتحاد الطلاب، وهو نائب رئيس جامعة صنعاء، حيث كان الرجل حينها في ريعان شبابه، يتدفق حيوية ونشاط، عرف بصرامته في تطبيق القوانين، ومرونته في التعامل مع التيارات الطلابية بمختلف مشاربها، فعلى الرغم من أن الحزبية كانت محظورة في ذلك الوقت، إلا انه في ظل وجود التيارات القومية والإسلامية، والتنافس الذي كانت تشهده الساحة السياسية، تألق دوره الحكيم في تسوية النزاعات والحفاظ على الانضباط والامتثال للقوانين.
تعززت علاقتنا بشكل كبير من خلال المشاركة المشتركة في مجموعة من المبادرات، بما في ذلك إطلاق جائزة رئيس الجمهورية للشباب بالتعاون مع الدكتور عبدالوهاب راوح، وزير الشباب والرياضة الأسبق رعاه الله. وقد تبوأ الدكتور القربي مناصب وزارية متعددة، حيث شغل مناصب وزارية في التربية والتعليم والخارجية، وتميز خلال فترة قيادته لوزارة التربية والتعليم وفي فترة سياسية حرجه عقب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة ، تم توحيد مناهج التعليم و تم توزيع المنح الدراسية الخارجية بصوره عادلة على جميع المحافظات، مما أكسب كل محافظة حقها المنصف من المنح . كما لعب دورًا بارزًا في مراجعة المناهج الجامعية أثناء عمله كنائب للدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله، الذي يُعد أستاذ الأجيال.
وقد أسهم الدكتور القربي بشكل كبير في تأسيس كلية الطب، حيث شغل منصب أول عميد للكلية، وتم إنشاء كليات الهندسة والزراعة، بالإضافة إلى مركز اللغات خلال فترة إدارته. كما قام بتوسيع نطاق جامعة صنعاء من خلال فتح فروع في تعز وإب والحديدة والبيضاء وذمار، مع إنشاء عدد من الأقسام العلمية. ويجدر بالذكر أنه شارك في تأسيس المؤتمر الشعبي وكان عضوًا في لجنة الحوار الوطني. بعد دخوله عالم السياسة والديبلوماسية، استطاع الدكتور القربي، الذي كان حينها أكاديميًا في المجال الطبي، أن يظهر توازنًا فريدًا في تعامله مع القضايا السياسية المعقدة بروح وعقلية الطبيب الماهر والحريص انعكست مزيج الخبرة والمعرفة التي جمعها وحباه الله بها في تعاطيه وادارته مع رفاقه في العمل الوطني خلال الأحداث التاريخية التي شهدتها اليمن من صراعات بين الفصائل المختلفة وفي مرحلة بناء مؤسسات الدولة الوطنية.
الدكتور أبو بكر لا يزال يمثل رمزًا للعطاء والديبلوماسية، ويعتبر مرجعًا سياسيًا لا غنى عنه على مستوى اليمن والوطن العربي بفضل خبرته الواسعة وعلاقاته السياسية العميقة. يتمتع بمهارات بارعة في إدارة الأزمات، صياغة الرؤى، وتوجيه الجهود نحو تحقيق السلام بمبادئ العدالة والمساواة وحفظ السيادة و يستند الدكتور أبو بكر على شبكة علاقات وثيقة، ورصيد سياسي ضخم، مع تاريخ طويل للبلاد وإرث علمي لا يُستهان به. إن سيرته العلمية تعتبر مصدرًا هامًا وملهما يتطلب التوثيق والتعريج المفصل، إذ يُعد واحدًا من أبرز العلماء الذين أمضوا سنوات طويلة في التعليم والبحث العلمي داخل وخارج الوطن منذ الستينيات، مما جعله حالة فريدة بتاريخه العلمي الاستثنائي.
هذه تعتبر مجرد لمحة سريعة ومتواضعة نحو تأسيس سيرة شاملة وموثقة نتمنى أن يسلط الضوء عليها الباحثين والمؤرخين المهنيين، عن شخصية استثنائية في كل جوانبها، وددت من خلال هذه المحاولة المتواضعة أن أعبر عن بعضاً من الوفاء نحو هذه القامة الوطنية و أن أقدم خلالها بعض الكلمات من الإجلال والتقدير لهذا الشخص الذي يتمتع بمواهب فائقة وقدرات استثنائية، خارج نطاق السلطة الرسمية، بل يمتلك سِفرًا مجيدًا يتسم برؤى وطنية حادة وعقل نير يتدفق أفكارًا ويبتكر حلولًا للمشاكل المعقدة. يُمكن الاعتماد عليه بشكل كامل في المشاركة في أي عملية سياسية، حيث لا يعرف سوى النجاح.
نرجو أن يمنَّ الله عز وجل عليك بدوام الصحة والعافية وطول العمر أيها الدكتور الجليل والوزير القدير، والميثاقي الشريف فأنت واحد من أبرز الشخصيات في المجال الأكاديمي والديبلوماسي والحزبي، ولعلي لم أجد في هذه العجالة أن أعرج على ذكر الأدوار العظيمة التي أسندت جهود الدكتور القربي ممثلة بشريكة حياته وإبنة الأسرة اليمنية العدنية المرموقة عقيلته الفاضلة الدكتورة عزة غانم أطال الله في عمرها والتي كان لها أدوار أيضا نبيلة ومن خلالها كانت نعم الشريكة والمستشارة الأمينة وسيدة المجتمع الاستثنائية.
تحية مليئة بالحب والتقدير والاحترام لتاريخك الزاهي والمشرف، الذي يستحق الإكبار والاحترام .