منبر حر لكل اليمنيين

عن التفاهة الفنية..!

46

الإنتاج الفني محصلة طبيعية لثقافة الكاتب أولا، وذوق المخرج ثانيا، ومهارة الفنان ثالثا.
وإذا كان أحدهم فقير الثقافة أو الذوق أو المهارة، يخرج العمل الفني أيا كان نوعه، هزيلا، مغتربا عن واقعه، غزير التفاهة، ويعمل على تعكير المزاج العام، لا سيما في رمضان الذي ارتبط بهذه الأعمال نظرا لرغبة الجمهور على قضاء الليالي السعيدة في مشاهدة الأعمال الموسمية الرمضانية.
وليس غريبا تلك الموجات الغاضبة والازدراء الشعبي للأعمال التي عرضتها بعض القنوات اليمنية أو الأعمال الفنية التي أنتجت والتي تفتقد لأبسط مخيال فني “نصاً” أو اداءََ.

الجمهور هو الناقد الحقيقي وهو من بيده سلطة القبول والرفض، وليس نخبة النقاد المحترفين فقط وإن كان الجميع هذه المرة قد اصطفوا في ذات الاصطفاف الرافض الغاضب، لكثير من الإنتاج اليمني في الفن والدراما وهناك رضى وقبول لقليل منها.

الأعمال الفنّية اليمنية الأخيرة فَقَدَت أهم عناصرها وهو الإبداع والواقعية، وأحيانا النص الجيد وأحيانا التكلف في الأداء، أو قصور الأداء.

يمكن إدراك أن النص يشكل أزمة حقيقية لكل الأعمال اليمنية دراما وغناء وغير ذلك. حيث يتم اختيار أسوأ ما هو موجود، لكن هذا السوء في اختيار كلمات الأغاني أو قصة الأعمال المختارة ليس هو الكارثة الوحيدة، فقد زاد الطين بلة الوجوه المكرورة تبالغ بالتكلف والتنطع، باستثناء وجوه جديدة كانت جيدة بقدراتها ومواهبها وحضورها السريع على قلتها.

المشاهد اليمني بات يدرك ويتقزز عندما يرى ظهور البعض ممن يسمون گ فنانين اعتباطا، كبالونات منتفخة وبهلوانات تهريج، حيث اختاروا لأنفسهم ألقابا كبيرة تدل على حجم الخواء والعلل النفسية والنرجسية، والنجومية الزائفة وبالغوا في التكلف صوتا وحركة حتى ظنناهم معاقين لغة واصطلاحا.

ربما كسبوا شيئا من المال لكنهم خسروا جمهورا شغوفا بأي عمل يدخل السرور إلى قلبه ووجدانه ويضعه في فسحة بسيطة مع الفرحة وأي أغنية تنسنس بعض أنفاسه وتعيده إلى مسرح الحياة في ظل ازدحام أخبار السياسة والحرب.

لقد كرست هذه الأعمال أو معظمها إلا ما ندر، التفاهة اسما وجسما، وأضافت رصيدا حيويا لما هو موجود في البرامج المعتادة المملة والإعلانات المرهقة للوجدان طوال العام ولما هو أيضا موجود في كل الجوانب اليمنية سياسية واقتصادية، فالتفاهة ليست مجرّد ظاهرة يمنية بسيطة، وإنّما حالة عامة مركبة استشرت عدواها على ما يبدو إلى كل شيء.

معظم هذه الأعمال عكست هيمنة التسليع التجاري وذلك واضحا من حجم الإعلانات التي تقطع المشاهد وتسبقها في سباق مع الممولين وكسب رضاهم، وكان يمكن أن يصبر الجمهور على ذلك القرف في الإعلانات أو “يتصبر” لو نال العمل بعض رضاه، لكن كما يقال في المثل “حشف وسوء كيلة”.

إنها باختصار، تفاهة فنية مع سبق إصرار وترصد.

ربما من الأفضل إكرام هذه الدفعات من الأعمال التي لم تلق قبولا ودفنها سيكون أفضل مع من يقوم بها كل عام، ذات الأسماء يتعاقبون عليها منذ عشر سنين تقريبا.
ولذا فإن إكرامهم بدفنها وبدفنهم معها لأنها ولدت ميتة ومتعفنة وإكرام الميت دفنه.

هناك رأي آخر يقول أصلا:
الحياة تافهة، بلا قيمة، بلا أي معنى متجذر وحقيقي، مثل هذه الأعمال جزء من نظام التفاهة الساري المفعول في كل الجوانب والفن في كل بلاد الدنيا واليمن منها والفن أحدها فلماذا تغضبون!؟

وخلاصة القول:
ربما أننا في إجازة عن الفن إلى أن نكتشف ثلاثيا حقيقيا جديدا، أقصد الكاتب المثقف الغزير والمخرج الذواق المقتدر، والفنان الماهر الحصيف الموهوب المتواضع.

نحتاج فترة زمنية أطول كي نحقق هذا الاكتشاف، فنحن نتأخر دوما، وفي سبيل ذلك ما نحتاجه الآن تشجيع بعض الأعمال الجميلة التي ظهرت في بعض الجامعات اليمنية فهي المخزن الذي يجب الاتجاه إليه والمنجم المحتمل، وسنجد هناك بعض ما نبحث عنه.

تعليقات